مرصد الجمهورية
يتحدث الكثير من الصيادلة في العراق عن تنامي ظاهرة بيع الأدوية بصورة إجبارية للمرضى، باتفاق بين الطبيب المعالج وصاحب الصيدلية الذي لا يعرف غيره فك "شيفرة الوصفة العلاجية"، وفقاً لما تحدث به عدد من صيادلة بغداد وكربلاء والنجف
يقول سالم مشكور (24 عاماً)، وهو صيدلاني تخرج قبل عام، وقرر ممارسة اختصاصه براتب بسيط في إحدى صيدليات كربلاء، إنه "تفاجأ بحجم الغش والخداع في تعاملات الكثير من مذاخر الأدوية مع أصحاب صيدليات منتشرة في المحافظة".
ويضيف "هناك أطباء يتفقون على أن تعطيهم صيدليات نسبة من مبيعاتها مقابل تحويل جميع مراجعيهم اليها لغرض شراء الأدوية منهم".
"وهؤلاء الأطباء يكتبون وصفاتهم للمرضى على شكل (شيفرة)، لا يستطيع بقية الصيادلة قراءتها وصرفها، لإجبار المراجعين على الشراء من الصيدليات المحددة"، يتابع مشكور.
تعالت أصوات مرضى في مناطق عدة من محافظة بابل بعد أن تحولت الصيدليات من أماكن للشفاء إلى مراكز لابتزاز المراجعين وغياب بصمة الإنسانية وشيوع مبدأ الربحية.
حازم جبر (41 عاماً) صيدلاني أيضاً، من محافظة النجف، يؤكد أن هناك "مذاخر كثيرة تتاجر بالأدوية المهربة من إيران، ويتم ذلك بعلم لجان من نقابة الصيادلة التي تغض الطرف عن هذه الممارسات، مقابل منحها نسبا مالية ضخمة".
ويوضح "مثلاً هناك مذاخر منتشرة في محافظات الوسط والجنوب، تتاجر بدواء إيراني المنشأ يباع في الصيدليات بعلب سويسرية وبأسعار أكثر بكثير من سعره الأصلي، كونه يباع على أنه مستورد بشكل مباشر من سويسرا لمرضى ضغط الدم".
وتعقيباً على ذلك، يقول النائب السابق في لجنة الصحة جواد الموسوي، إن "الواقع الصحي في العراق من سيء إلى أسوأ خصوصاً بما يتعلق ببيع وشراء الأدوية".
ويشير في حديثه إلى أن "50% من التعاملات الطبية في العراق تشهد فساداً كبيراً".
كما يتاجر عدد من الصيدليات بالأدوية منتهية الصلاحية "بتواطؤ مع مسؤولين حكوميين"، حسب الموسوي.
ويضيف: "هناك شركات خاصة وعامة تدير عمليات استيراد الأدوية وتوزيعها على المذاخر داخل العراق، وهي خاضعة لسيطرة الأحزاب السياسية التي أحكمت قبضتها كل متعلقات الوضع الطبي".
وبحسب مسؤولين في نقابة الصيادلة رفضوا ذكر أسمائهم لأسباب خاصة، فإن العراق "فقد السيطرة على صناعة واستيراد الأدوية، وهناك 70% إلى 80% من الأدوية التي تصل البلاد مغشوشة أو مهرّبة".
ورغم المليارات التي صرفت على قطاع الصحة منذ عام 2003 حتى اليوم، إلا أنه لم يشهد أي نهضة، ليبقى مصنع أدوية سامراء الوحيد الذي يمدّ المؤسسات الصحية بأدوية من إنتاج محلي بأيادٍ عراقية.
داخل أزقة مدينة الصدر الضيقة في العاصمة بغداد وبعيدا عن كل ضجيج انتشار جائحة كورونا وإجراءات الحظر المطبقة لإيقاف العدوى، يسير الطفل اليتيم حيدر محمد (11 عاما) ممسكا بيد أخيه الصغير حمزة (٩ أعوام) بعد أن حرمه أحد أصحاب محال بيع الأدوية المعروفة "بالصيدليات الوهمية" من نعمة النظر.
عقب زرق صاحب المحل لحيدر بحقنة لعلاج الانفلونزا قبل عامين، رفضت حتى المستشفى الحكومي استقباله بسبب صعوبة حالته الصحية جراء مضاعفات تلك الحقنة
صيادلة "بلا شهادات"
يروي محمد حبيب (27 عاماً)، وهو صاحب صيدلية في بغداد: "أعرف الكثير من أصحاب اختصاصات أخرى غير الصيدلة، يصرفون الأدوية للمراجعين ويديرون صيدليات كثيرة منتشرة في محافظة بغداد".
ويضيف لـ"ارفع صوتك": "ويتم ذلك باتفاق بين الصيدلاني الذي يملك إجازة رسمية يطلب عليها أجرة شهرية تصل لأكثر من مليوني دينار، ممن يرغب بفتح صيدلية يديرها باسمه، وهذا يهدد النظام الصحي في العراق".
ويبيّن حبيب أن إدارة الصيدليات من غير المختصين "ظاهرة تتنامى في محافظات عراقية، ما تسبب بأزمة ثقة كبرى، خصوصاً بعد تعرض العديد من المرضى لمضاعفات قاسية، نتيجة تلقيهم وصفات دوائية الخطأ".
من جهتها، تقول الصيدلانية سارة أحمد (30 عاماً)، التي تعمل في مجمع طبي وسط العاصمة، إن زميلة لها "عرضت على طبيب مبلغاً مالياً كبيراً وسيارة صالون موديل 2021، مقابل أن تحتكر بيع الدواء لمرضاه، و يتعاملان بطريقة الشيفرة".
"كما قدمت عرضاً لعائلته بأخذهم رحلات سنوية لأوروبا، مقابل أن يقنع زملاءه الأطباء بالتعاون حصراً مع صيدليات تملكها في أنحاء متفرقة من العراق"، تتابع أحمد.
في المقابل، ترد نقابة الصيادلة على ما سبق بأن "الصيدليات تدار من قبل الصيادلة الحاصلين على شهادات معترف بها وشهادات جامعية باختصاصاتهم، وفي حال كشف أي خرق، فإنها ستحاسب المخالفين مهما كانوا".
وتؤكد أن وزارة الصحة والأجهزة الأمنية وكل المعنيين في متابعة عمل الصيدليات ومذاخر الأدوية ، سيحاسبون المخالفين لكل قوانين وأخلاق مهنة الصيدلة.
كما ستتابع النقابة "كل الخروقات التي تمت الإشارة لها في وسائل الإعلام أو من قبل فرقها الجوالة، للحد من تنامي أي ظاهرة تضر بالصالح العام والنظام الصحي".