×

أخر الأخبار

صفحات الظل في العراق.. من "الميمز" حتى صالح محمد العراقي وطالوت الشروكي

  • 30-12-2021, 22:58
  • 756 مشاهدة

مرصد الجمهورية
في الظل، كل شيء ممكن وجائز، وبالنسبة للقادة السياسيين، فإنهم يعيشون أيامهم كلها ينتقلون فيها اولئك الذين سارعوا وهم رجل في العراق واخرى في الخارج، لتأسيس دولة عميقة، تدار في الظل منذ نيسان عام 2003، رؤوسها غير ظاهرة للعلن ومجساتها الطويلة منتشرة في مواقع التواصل الاجتماعي او ما يعرف حالياً بـ"ميتا".  
المرحلة الأولى
صفحات بالآلاف، بعضها معروفة ومتابعة بالملايين، ظهرت منذ وصول أول جهاز انترنت وربطه بالحاسوب داخل مقر أول حزب سياسي افتتح في بغداد، بعد سقوط تمثال صدام حسين رئيس النظام السابق في ساحة الفردوس وسط بغداد.


ومُذ ادركت الماكنة الإعلامية للأحزاب، إنه بلا إعلام ظل، وبلا قرارات ظل، وبلا صفحات ظل، فإنه لا يمكن مسك عصا العراق من الوسط، لهذا فإن صفحات الظل اجتاحت مواقع التواصل الاجتماعي، بصورة رهيبة، ضج العراقيون بها، حتى باتت تقود الرأي العام.
صفحات تحمل صور زين الدين زيدان وماردونا نجما الكرة العالمية، وصور فنانين ونجوم كوميديا، ومن حسابات بالآلاف تضع "الميمز" كنوع من التخفي، وكلها "تعمل لدى فيسبوك وتدرس في مدرسة الحب"، بصور لفقراء ومساكين، وبنصائح وحكم وابيات شعر، ودارميات، لتبدأت المرحلة من مشروع قيادة الرأي العام من قبل الماكنة الإعلامية للأحزاب، مستغلين سذاجة الكثيرين ممن يتفاعلون مع كل المنشورات، حتى انتشرت تلك الصفحات كالنار في الهشيم.
مثلت المرحلة الأولى، مرحلة انتعاش الأحزاب السياسية، فالانقياد الذي ابداه رواد مواقع التواصل الاجتماعي، كان كبيراً جداً، خصوصاً من خلال الصفحات التي اتخذت من الصور والشعارات الدينية وصولاً إلى الخطاب "الطائفي"، مساراً للوصول إلى "المنبهرين" بما تطرحه تلك الصفحات من نظريات وكشف للمؤامرات، حتى تمكنت بالفعل تلك الأحزاب من قيادة الرأي العام، وتجلى هذا بتحولات كبيرة شهدتها العملية السياسية.
لكن هذه السيطرة الرقمية تدم طويلاً، خصوصاً بعد أن ظهر حراك شعبي مناهض خلال العام 2011 في مواقع التواصل الاجتماعي، تجلى بتظاهرات رفض منح الامتيازات لأعضاء مجلس النواب والتي من خلالها دخل مواقع التواصل الاجتماعي في مرحلة جديدة من المواجهة بين احزاب السلطة والمتحكمين بها.



صالح محمد العراقي
توالت ظهور الصفحات التي تدار من قبل ناشطين وقادة الاحتجاج بالعلن تارة وبالخفاء تارة اخرى، واحدثت نوعاً من الوعي لم تستطع صفحات الظل مواجهتها كونها ساهمت بزيادة وعي المواطنين بحجم الخراب وانتجت مظاهرات كبرى كانت اوجها في محافظة البصرة، هنا انتقلت إلى مرحلة جديدة من مرحل التأثير على الوعي الجمعي من خلال أسماء مستعارة تحولت إلى ناطقة باسم التيارات والاحزاب الإسلامية والأمثلة كثيرة هنا.
أبرز تلك الصفحات وأهمها، وأكثرها مساهمة بقيادة الآلاف من الجماهير، هي صفحة صالح محمد العراقي التي ظهرت بشكل مفاجئ في العام 2016.
عنوان الصفحة المعروفة بـ"صالح محمد العراقي"، مشتق من كنية ابا صالح العائدة لمحمد بن الحسن العسكري، الإمام الثاني عشر من أئمة الشيعة والمولود بمدينة سامراء في العراق عاصمة الخلافة العباسية، لذلك فإن حمل الصفحة لهذا الاسم يعود لكنية المهدي المنتظر، الذي يحمل الأمل بنشر القسط والعدل وإصلاح المجتمعات.


هذه الصفحة التي اصبح اسمها "وزير القائد"،  وتعني زعيم التيار الصدري مقتدى الصدر، كان لها سجالات طويلة مع ناشطين ومثقفين، ونقلت معارك سياسية  من ميدان الإعلام إلى خانة مواقع التواصل الاجتماعي، كما حدث مع صفحة "طالوت الشروكي" التي تدار من قبل زعيم عصائب أهل الحق الشيخ قيس الخزعلي.
وفي الحقيقة هناك قصة طويلة، سياسية وشخصية وتكاد تكون عدائية، بين صالح محمد العراقي الصفحة الالكترونية التابعة لزعيم التيار الصدري مقتدى الصدر، التي تأسست عام 2016، وبين "طالوت الشروكي" الصفحة الاخرى الناطقة باسم زعيم عصائب أهل الحق قيس الخزعلي.

ففي بداية شهر آذار، من العام ٢٠١٥‏, ظهرت صفحة طالوت الشروكي، ليتغير اسمها مرات عدة ودمجت مع صفحات أخرى, اسماء مثل: (‏طالوت الشروگي‏ رجال), (‏رجال الدولة اStatesmen ‏), (المقاومة العالمية), (المقاومة), ‏لتستقر في النهاية إلى (طالوت الشروكَي).
وبما فيهم زعيم عصائب اهل الحق، فإن هناك 10 اشخاص من داخل العراق, يديرون صفحة "طالوت الشروكي".
سجال طالوت وصالح
لا يختلف اثنين على أن هناك خلاف شخصي ومبدأي، بين الصدر والخزعلي، فالأخير كان يد الأول اليمنى بعد عام 2003، ومرافق الشهيد محمد محمد صادق الصدر ، المرجع الذي قتل بطريقة وحشية مع اثنين من ولده وسط محافظة النجف، لكن الأمور تغيرت كلها بعد أعوام من "مقاومة الاحتلال"، فعصائب اهل الحق تزعمها قيس الخزعلي، وصعد رصيدها الشعبي أيام الحرب على تنظيم داعش الإرهابي، ليصعد رصيدها من  مقعد وحيد لحسن سالم، إلى 19 مقعداً في انتخابات عام 2018، لتهبط مرة اخرى في انتخابات تشرين المبكرة، التي ترفض نتائجها كل القوى المنضوية تحت الإطار التنسيقي الشيعي.
لهذا، فإن هناك نوع المواجهة غير المعلنة التي أرادها الخزعلي برده على صفحة صالح محمد العراقي بإطلاقه صفحة طالوت الشروكي.
المواجهة التي كبرت واتضحت، خلال منتصف شهر أيار عام 2019، حين نشرت نقلت صفحة صالح محمد العراقي، عن الصدر قوله انه "يشعر بالخيبة من الخزعلي كونه لم يتخذ اجراءً ضد السياسيين المسيئين للصدر"، جاء ذلك على إثر تسريب محادثات (واتس آب)، لسياسيين ينتمون الى عصائب اهل الحق, أساؤوا فيها لزعيم التيار الصدري. 
كما جاء من ضمن كلام الصدر، وصفه للخزعلي بأنه "يعشق السياسة والدنيا، وقد بدل مرجعه الشهيد محمد محمد صادق الصدر، وانه زعيم للمصايب، وان المنتمين للعصائب أكثرهم بلا ورع"، وقتها ارفق صالح محمد العراقي منشوره بصورة تحمل دلالات مقلقة بشأن محاولة اغتيال زعيم التيار الصدري.
انبرى الخزعلي وقتها غاضباً، حينها ليرد عليه في منشور عبر صفحة "طالوت الشروكي"، ذكر فيه أنه "لم يبدل مرجعه الصدر، لكنه لا يعود لأبناء المراجع في مستحدثات الأمور، كما انه عرض نفسه للموت أكثر من مرة وهو يواجه إرهاب داعش".
وكذلك رد عبر طالوت الشروكي، بأن "اتهام العصائب بان أكثرهم بلا ورع، فهذا اتهام مجانب للصواب وفيه ظلم كبير لان أكثر العصائب كما يعلم الجميع مجاهدون حملوا أسلحتهم على اكتفاهم قاتلوا الاحتلال الامريكي ومن ثم دافعوا عن مرقد العقيلة ع ومن ثم تصدوا لداعش".
وحول تلميح الصدر، بوجود مخطط لاغتياله، رد الشروكي قائلاً "اتهام فصيل مقاوم يقف ضد محور الشر الامريكي الاسرائيلي السعودي بانه ربما يخطط لقتله هو خلاف الحكمة ولا يصب في مصلحة العراق ولا التشيع".
شعبوثي.


وفي احدى لقاءاته التلفزيونية، أكد زعيم التيار الصدري مقتدى الصدر، بشكل معلن عائدية صفحة صالح محمد العراقي له، وأنه كان يديرها بنفسه، قبل ان يمنحها لآخرون يديرونها تحت رقابته.
وحول الشخصية التي تنشر التغريدات والصور، وكل الدعوات والأوامر التي رافقت تظاهرات تشرين عام 2019، أشار الصدر إلى أن "من يديرها هو شخص شعبوثي وانه لا ينصح باللقاءات معه".
أما، طالوت الشروكي، فلم يتحدث عنها الشيخ الخزعلي في لقاءاته وتصريحاته الصحفية، ولم يتعرض لأي سؤال يخصها، منذ لحظة انطلاقها في مواقع التواصل الاجتماعي وحتى اليوم، لكنها وبحسب تحرينا تدار من قبل زعيم عصائب أهل الحق قيس الخزعلي، الذي اتخذ من القائد التأريخي "طالوت" عنواناً لصفحته، ليجد المتابعون انفسهم بين ما يكتبه قائد ميداني وزعيم فصيل في الحشد الشعبي وكتلة سياسية، وبين ما يحرره "شاب شعبوثي".
وفي تظاهرات تشرين، ساهمت صفحة صالح محمد العراقي، بقيادة جماهير التيار الصدري، التي نزلت إلى ساحات التظاهرات في بغداد وبقية المحافظات الأخرى، خصوصاً، خلال أيام فرض حظر للتجوال، حيث كانت الصفحة تدعو إلى "المشي لساحة التحرير والاضراب عن الدوام ونقل كل توجيهات ومواقف الصدر إلى اتباع التيار"، لتستجيب جماهير التيار الصدري لهذه الدعوى، التي تتفاعل بشكل كبير جداً ما كل منشور يطلق عبر منصة صالح محمد العراقي.
تطور العراقي
وخلال الأيام التي اعقبت استقالة رئيس الوزراء السابق عادل عبد المهدي على وقع احتجاجات تشرين، زادت مكانة صفحة صالح محمد العراقي، وصارت تعرف في الأوساط السياسية والإعلامية والشعبية، بأنها صفحة (وزير القائد)، وهو اللقب الذي اطلقه صالح محمد العراقي على نفسه.
وبعدها، وثقت الصفحة بالعلامة الزرقاء، وتحولت إلى المنصة الأولى التي تنشر مواقف وبيانات زعيم التيار الصدري مقتدى الصدر، المكتوبة والمنقولة عنه، والأوامر، خصوصاً تلك التي يكتبها الصدر بخط يده ويوقعها.
في المقابل، تراجعت صفحة "طالوت الشروكي"، في مواقع التواصل الاجتماعي بشكل ملحوظ، خصوصاً بعد العقوبات الأمريكية التي طالت زعيم عصائب أهل الحق، وحجب اسمه من الظهور في أي منشور يتداول عبر مواقع التواصل الاجتماعي بتسميتها الحديثة "ميتا".
وبالنظر، إلى أهمية الصفحة، فإن وسائل الإعلام تعتبرها أول مصدر يؤخذ منه البيان والمعلومة، الخاصة بالصدر ومواقفه، قبل أن ينشرها حتى المكتب الإعلامي الخاص للصدر، رغم أن المكتب يدار من العشرات وهو أقدم بكثير من صفحة صالح محمد العراقي، التي يدريها حالياً (وزير القائد).  
وبشكل ملحوظ، ورغم كم النقد الحاصل من هنا وهناك، لكن الواقع يقول أن اللغة الشعبية، والخطاب المباشر، والأوامر الصارمة، التي صدرت من صفحة صالح محمد العراقي، عززت من تعاضد انصار التيار الصدري، حتى وصل الأمر إلى انتخابات عام 2021، والتي حصدت الكتلة الصدرية فيها الكأس المعلى بـ73 مقعداً، بينما تراجع طالوت الشروكي، وكتلته وتحالفه، وبينما يقود زعيم التيار الصدري مفاوضاته لتشكيل الحكومة مصراً على أغلبية سياسية، يبات أنصار تحالف البناء والإطار التنسيقي أمام اسوار المنطقة الخضراء، ويطلقون كل جمعة عنواناً جديداً على تظاهراتهم، للمطالبة بإلغاء الانتخابات أو إعادة عد وفرز الأصوات يدوياً في كل انحاء العراق، في وقت لم تصادق فيه المحكمة الاتحادية حتى الآن على نتائج الانتخابات.
يبقى أن نقول، ان صفحات الظل، اثرت في الرأي العام، وساهمت بصعود الأحزاب الإسلامية، ورجوت لفكرة المؤامرات باستمرار، لكنها افلت، مع صعود جيل يعطي "أضحكني" على كل منشور لا ينسجم مع أفكاره وتطلعاته، وما عكسته احتجاجات تشرين التي هدمت تابوهات هائلة، ومحت "هالات مقدسة" لم تستطع صفحات الظل المحافظة عليها، رغم مئات الملايين التي خصصت من قبل ماكنة الاحزاب، لايجاد صفحات ظل تراقب العراقيين وتحرص على تسيير عقولهم نحو مصالحهم.