مرصد الجمهورية
بعد غياب دام أكثر من 3 عقود، يقترب العراق من العودة إلى التصنيع الحربي بإنتاج الذخائر والأسلحة المتوسطة والخفيفة في مسعى للتقليل من الضغط الذي يستنزف الموارد العامة للبلاد جراء عقود التسليح.
ودفعت أحداث المواجهة مع تنظيم داعش، خلال اجتياحه لعدد من مدن العراق في صيف 2014، الحكومات المتعاقبة إلى تحريك ملف الصناعات العسكرية.
وعاشت القوات الأمنية خلال الأيام الأولى لوقف زحف داعش نحو المدن أزمة حادة في السلاح والمعدات والذخائر المتوسطة والخفيفة.
المتحدث الرسمي باسم القائد العام للقوات المسلحة، اللواء يحيى رسول، يؤكد: "لم يكن لدينا طائرة واحدة للدفاع عن العاصمة بغداد من خطر الإرهاب حينها".
وتعود بدايات الصناعات العسكرية في العراق إلى مطلع سبعينات القرن الماضي، حيث تمت تهيئة مجموعات المهندسين والفنيين عبر دورات مكثفة خارج وداخل البلاد للانضواء تحت ما سمي حينها "هيئة التصنيع العسكري".
وسرع العراق من قدراته التصنيعية في المجال العسكري خلال حرب الثماني سنوات مع إيران في عقد الثمانينات من القرن الماضي، ليصل إلى إنتاج مختلف أنواع المعدات العسكرية والصواريخ والذخائر ما عدا تصنيع الطائرات.
لكن أغلب هذه المنشأت دمرت بعد حرب الخليج الثانية 1991، ثم سقوط نظام صدام حسين في أبريل 2003، حيث تم حل هيئة التصنيع العسكري بقرار من الحاكم المدني بول بريمر.
ويمتلك العراق عشرات المصانع الخاصة بالصناعات الحربية تنظوي تحت 64 شركة، إلا أن أغلبها تقادمت معداتها وباتت خارج نطاق الخدمة.
وعقب قرار التفكيك وإنهاء الصناعات الحربية في العراق، تم توزيع تلك الشركات على وزارت الدولة. حظيت الدفاع منها بـ14 والعلوم والتكنولوجيا بـ10، فيما ضُم أغلب ما تبقى منها لوزارة الصناعة والمعادن.
ومنذ ذلك الحين، يعتمد العراق بشكل تام في تجهيز قطعاته الأمنية على التعاقد مع دول أجنبية. وعقد، خلال 20 عاماً الماضية، صفقات بقرابة 140 مليار دولار.
لكن في عام 2019، صوت البرلمان العراقي على "قانون هيئة التصنيع الحربي". وربطها مباشرة بالقائد العام للقوات المسلحة، كخطوة أولى لإنشاء قاعدة للصناعات الحربية في البلاد، وسد احتياجات القوات الأمنية.
يقول رئيس هيئة التصنيع العسكري في العراق، محمد عبد الصاحب الدراجي، إن "إحدى المشاكل الرئيسة التي تعرقل التسريع بعودة الصناعات العسكرية وجود كوادر هندسية من الشباب، لأن أغلب الخبرات التي نمتلكها باتت كبيرة السن ولا تحمل الجهد البدني للتعامل مع الماكنات".
ويضيف الدراجي "استطعنا أن نعيد 27 مصنعاً تحت مسمى شركتين. ويجرى الآن مفاتحة مجلس الوزراء لضمن مصانع أخرى".
وبشأن التخصيص المالي والدعم، يبين الدراجي أن "الحكومة لم تخصص أموالاً للهيئة وما اعتمدناه في ذلك الأمر الشراكة والاستثمار مع القطاع الخاص". ويؤكد: "المهمة صعبة ولكن ليست مستحيلة".
ومن المرجح أن يطرح التصنيع العسكري خلال الـ5 أشهر المقبلة، إنتاجه من السلاح الخفيف (البندقية والمسدس)، حسب الدراجي.
واستهلك العراق من مجموع موازنته المالية نحو 40% لدعم قطاع التسليح والأمن طوال الفترة الممتدة ما بين 2005 و2015، بحسب الخبير الأمني رحيم الشمري.
ويبين الشمري أن "توطين التسليح خطوة مهمة تصب فائدتها في أكثر من مسار. في مقدمتها، تأمين الاحتياج الداخلي من ذخائر وأسلحة بعيداً عن مزاج الشركات الأجنبية المصنعة، وثانياً السيطرة على حصر العملة داخل البلاد".
ويستدرك بالقول: "لدينا خبرات طويلة وممتدة في التعامل مع الأسلحة الغربية والشرقية كون أن عقيدتنا العسكرية موزعة في أكثر من جانب. ولكن نحتاج إلى تعزيز الخبرات المحلية باستقدام الخبراء وابتعاث الكوادر العاملة".