في اليوم الدولي للتعليم الذي يصادف في 24 كانون ثاني/ يناير من كل عام، يبدو أن العراق لا يزال يعاني من مأزق جدّي في مسألة التعليم على مستوى البلاد التي عانت منذ العام 2014 أزمات سياسية وأمنية وصحية، آخرها كانت أزمة تفشي فيروس كورونا، ما انعكس سلباً على قطاع التعليم الذي يعاني تاريخياً من تراكمات منذ زمن نظام صدّام حسين.
ويتفق العاملون في القطاع التعليمي على أن العراق يعاني من نقص حاد في البنى التحتية الأساسية للتعليم، ما يتسبب بازدحام العديد من المدارس بأعداد فوق طاقتها، تزيد على خمسين طالباً في الصف الواحد وتصل في بعض الصفوف إلى 100 طالب.
كما أن هناك مؤشرات مقلقة عن تفاقم الأمية، حيث تزيد أعداد الأميين في البلاد عن 11 مليون، بحسب ناصر الكعبي، الناطق باسم نقابة المعلمين، الذي يطلق صرخة لإنقاذ التعليم في العراق: "لا يمكن أن نقود عملية الإصلاح بوزارة ووزير ولا بنظرة شخصية"، يقول الكعبي ويتحدث عن توارث المشكلات من حكومة إلى أخرى والوحيد الذي يدفع الثمن هو الطالب العراقي.
المفارقة أن ما يشكو منه الكعبي يشكو منه أيضاً مستشار وزارة التربية العراقية كريم السيد، لأن "وزارة التربية تتأثر بكل المتغيرات والظروف التي أحاطت وتحيط بالمجتمع العراقي". ويتحدث السيد عن نقص كبير في البنى التحتية والموازنات التي "لا تلبي الطموح ولا الحاجات إلى تطوير التعليم".
كما يعترف بوجود محاصصات حزبية داخل مؤسسات التعليم على غرار تفشي المحاصصة في مختلف مؤسسات الدولة.
بحسب أرقام وزارة التربية العراقية، هناك أكثر من 27 ألف مدرسة في عموم البلاد، يدرس فيها 13 مليون تلميذ، يقابلهم مليون أستاذ ومعلمة في الكادر التعليمي.
وبحسب السيد، فإن هناك نقصاً في الأبنية السكنية بحوالي 8 آلاف مبنى، وسبب ذلك يعود إلى "التوسع السكاني الكبير الذي شهده العراق، ولم يقابله أي زيادة في الموازنة أو في عدد الابنية المدرسية".
وقد توقفت عمليات بناء المدارس في الفترة الممتدة من العام 2014 وحتى العام 2020، والوزارة تعمل، بحسب السيد، على إضافة مدارس جديدة وترميم أكثر من 2000 مدرسة ضمن خطتها لهذا العام للتخفيف من الاكتظاظ في بعض المدارس وتلبية الحاجة في المناطق المزدحمة.
هذا الازدحام يرى فيه الكعبي سبباً أساسياً للتسرب المدرسي، إذ ان "كثيراً من الطلاب لا يشعرون بأنهم مرتاحون في الصفوف التي لا يستطيعون حتى التحرك فيها ضمن المساحة الشخصية بسبب ضيقها". والتسرب المدرسي مشكلة كبيرة تواجه التعليم في العراق، وإحدى أسبابها المتداولة هو تواجد مقاهي ومراكز ترفيه بالقرب من المدارس يهرب إليها التلاميذ ويلتهون عن دروسهم. كما أن هناك أطفالاً يدخلون سوق العمل باكراً ويتركون المدرسة بسبب سوء أحوال أهلهم الاقتصادية، أو لأن أهاليهم لا يثقون بالتعليم بسبب كثرة البطالة بين المتعلمين في المجتمع العراقي، حيث يتخرج الآلاف سنوياً من دون أن يجدوا عملاً، على حد تعبير الكعبي.
الكعبي يتحدث عن وضع بائس للتلاميذ العراقيين في المدارس، بسبب "إقحام مناهج جديدة لأغلب المراحل الدراسية من دون تدريب الأساتذة ومن دون تأمين مستلزمات ومختبرات". كما أن الأزمة الاقتصادية التي تعصف بالعراق وتراجع سعر صرف الدينار أمام الدولار والتضخم في الأسواق، أثرت بشكل كبير على الأساتذة وعلى رواتبهم التي خسرت ما يقارب نصف قيمتها.
وزارة التربية عقدت النية على أن تكون هناك بداية جديدة وعملية تصحيح، كما يقول مستشارها، لأن هذا العام يبدو عام الاستقرار إلى حد كبير، بعد أعوام من الاضطرابات على مستويات مختلفة: "الوزارة عازمة على تصحيح الامور، وحماية اصالة التعليم، والعمل على استقرار المناهج، وتجربة التعليم المدمج بين الحضوري والإلكتروني بعد أن نجحت نسبياً تجربة التعليم الإلكتروني في فترة تفشي فيروس كورونا"، يختم كريم السيد.
أما ناصر الكعبي فيبدو أكثر تشاؤماً: "بغياب العدالة عموماً في العراق، لن يكون هناك مدارس جيدة ولا تعليم جيد".