عاشت مدينة البصرة، جنوبي العراق، يوم أمس الاربعاء (31 آب 2022) ليلة ساخنة، بسبب اشتباكات مسلحة بين فصائل مسلحة، سرايا السلام التابعة لزعيم التيار الصدري مقتدى الصدر من جهة، وعصائب اهل الحق التابعة لقيس الخزعلي من جهة اخرى، اسفرت عن مقتل شخص على الاقل من سرايا السلام، واصابة اخرين بجروح.
ووفقاً لناشط مدني مطلع، طلب عدم الكشف عن اسمه، خوفا من استهدافه من قبل الفصائل المسلحة، فإن الاحداث بدأت بمشاجرة بين اشخاص مسلحين داخل سيارة، يرجح انهم تابعون لسرايا السلام، مع اخرين تابعين لعصائب اهل الحق، تطورت الى اطلاق نار، اسفر عن مقتل شخص من سرايا السلام واصابة آخر بجروح.
وعقب ذلك جاءت مجموعة تابعة لسرايا السلام قامت باطلاق النار على مقر عصائب اهل الحق، ومن ثم حضر المحافظ اسعد العيداني والقوات الامنية الى المنطقة، وهدأت الامور بشكل مؤقت، حيث شدد المحافظ اسعد العيداني وقيادة العمليات في المحافظة على منع انتشار السلاح، كما هددوا باعتقال اي مسلح، لكن هذا الهدوء لم يستمر طويلاً.
الامور عادت الى التشنج مرة اخرى، حيث سمعت اصوات اطلاق نار وحتى قاذفات، من الساعة الثانية ليلا وحتى الصباح، فيما انتشرت مجاميع مسلحة في مناطق الجمهورية والقصور، وقامت القوات الامنية بقطع عدة شوارع.
بعض الروايات تشير الى ان المقتول كانت لديه عداوة مع القاتل، فيما تقول رواية اخرى ان القاتل والمقتول هما من سرايا السلام، وفقا للمصدر، الذي ذكر أن القوات الامنية منتشرة الان في عدد من شوارع مدينة البصرة.
مصدر آخر، حكومي، قال ان الشخص المقتول هو قيادي في سرايا السلام التابعة للتيار الصدري، وان حادث القتل حصل مساء امس الاربعاء، مشيرا الى ان مجاميع السرايا تحركت صوب مقر تابع للحشد الشعبي، يعتقد انه يضم مقرا لعصائب اهل الحق، وحصلت اشتباكات بعد حادث القتل منذ الساعة الثانية والنصف ليلا وحتى السادسة والنصف من صباح اليوم.
وبحسب المصدر فإن الاشتباكات عنيفة، شهدت استخدام قاذفات ورمانات واطلاق نار شديد، في مناطق القصور والبراضعية، لافتا الى ان عدد الضحايا لا يعرف لحد الان، في حين تؤكد المصادر الامنية اعتقال أكثر من 13 مسلحاً لحد الان.
ونوه الى ان الاهالي متخوفون مما يجري، لاسيما ان هنالك احتمالات بعودة سيناريو الاغتيالات التي شهدتها مدينة البصرة في "ثورة تشرين" خلال عامي 2018 و2019.
تطمينات الحكومة المحلية
من جانبها قالت خلية الإعلام الأمني، في بيان إن "بعض مواقع التواصل الاجتماعي تداولت أنباء متضاربة عن وقوع أحداث أمنية واضطرابات في محافظة البصرة"، موضحة أن "الموضوع هو عبارة عن حادث جريمة قتل في مركز المحافظة وإصابة آخر"، مؤكدة أن "القوات الأمنية القت القبض على عدد من المشتبه بهم وتقوم بواجباتها والتحقيق في هذا الحادث".
ونوهت خلية الاعلام الامني، إلى "أن الاوضاع الأمنية مسيطر عليه، والموقف الان يشهد هدوءاً امنياً وانتشاراً للقوات الأمنية في المحافظة".
من جانبه قال محافظ البصرة، اسعد العيداني، إن "الوضع في البصرة تحت السيطرة، والقوات الامنية منتشرة"، مضيفاً انه "حدث تعرض لكن جرى احتواء الاشتباكات".
تأتي هذه الاشتباكات بعد يومين من مقتل نحو 30 شخصاً واصابة نحو 500 اخرين في المنطقة الخضراء بوسط بغداد، في احتجاجات عنيفة أشعلها إعلان زعيم التيار "اعتزاله" العمل السياسي وتخلّلها اقتحام جمع من المحتجّين القصر الحكومي وأعقبتها ليلاً اشتباكات بالأسلحة الرشاشة وقصف بقذائف الهاون.
اثار الاشتباكات المسلحة في البصرة
وفي حين فرض الجيش حظر تجول عاماً، سمعت ليلاً رشقات رشّاشة كثيفة ودويّ انفجارات في المنطقة الخضراء الشديدة التحصين والتي تضمّ العديد من المقرّات الحكومية والسفارات، فيما أفاد مصدر أمني أنّ مسلّحين من "سرايا السلام"، التنظيم المسلّح التابع للصدر، أطلقوا النار من خارج المنطقة الخضراء على أهداف داخلها، مضيفا أنّ القوات المتمركزة داخل المنطقة الخضراء، وهي وحدات خاصة تابعة للجيش ووحدة من الحشد الشعبي، ردّت على مصادر النيران هذه.
وأعلن الجيش فرض حظر تجوّل في بغداد اعتباراً من الثالثة والنصف بعد الظهر ومن ثم في جميع أنحاء العراق في السابعة مساءً وسُيّرت دوريات للشرطة في العاصمة، بعد أن تعمّقت الأزمة في العراق الذي يعيش في مأزق سياسي منذ انتخابات تشرين الأول 2021 التشريعية.
وتدهور الوضع في وسط العاصمة العراقية واقتحم المئات من أنصار التيار الصدري بعد الظهر مقر رئاسة الوزراء، بعد إعلان مقتدى الصدر، أحد أهم الفاعلين في السياسة العراقية، بصورة مفاجئة اعتزاله العمل السياسي بشكل "نهائي"، فيما تدخلت قوات الأمن وأطلقت قنابل الغاز المسيل للدموع لتفريق المتظاهرين عند مداخل المنطقة الخضراء المحصنة.
اثار الاشتباكات المسلحة في البصرة
وبدا أنّ حظر التجول مطبّق في وسط بغداد مساء، إذ فرغت الطرقات من المارّة والمركبات، لكنّ الاضطرابات انتقلت إلى مناطق أخرى، ففي محافظة ذي قار في جنوب العراق، سيطر أنصار الصدر على كامل مبنى ديوان المحافظة الواقع في مدينة الناصرية، ورفع أنصار الصدر لافتة كبيرة على البوابة الرئيسية للمبنى كتب عليها "مغلق من قبل ثوار عاشوراء"، كما اقتحم آخرون مقار حكومية، حيث قام المحتجون بغلق منشآت نفطية في محافظة ذي قار ووضعوا لافتات على البوابات كتب عليها "مغلق بأمر ثوار عاشوراء".
وفي محافظة بابل جنوب بغداد، سيطر أنصار التيار الصدري على مبنى المحافظة في مدينة الحلة، وقطع آخرون الطرق الرئيسية التي تربط مدينة الحلة، مركز المحافظة، بالعاصمة بغداد وباقي المحافظات الجنوبية.
ومنذ قرابة سنة، لم تتمكن الأقطاب السياسية العراقية من الاتفاق على اسم رئيس الوزراء الجديد، ومن ثم، فإن العراق، أحد أكبر منتجي النفط في العالم، ما زال بدون حكومة جديدة أو رئيس جديد منذ الانتخابات التشريعية، وللخروج من الأزمة، يتفق مقتدى الصدر والإطار التنسيقي على نقطة واحدة هي الحاجة إلى انتخابات مبكرة جديدة، لكن فيما يصر مقتدى الصدر على حل البرلمان أولاً، فإن خصومه يريدون تشكيل الحكومة في البدء.
وظهر زعيم التيار الصدري مقتدى الصدر في مؤتمر صحفي الثلاثاء (30 آب 2022)، أمهل انصاره المعتصمين بالمنطقة الخضراء 60 دقيقة للانسحاب التام، متوعدا بإجراء اخر في حين لم يذعنوا لتوجيهه قائلا: "سأتبرأ منكم".
اثار الاشتباكات المسلحة في البصرة
وقال الصدر في مؤتمر صحفي "أحزنني كثيراً ما يحدث في العراق"، مقدما اعتذاره للشعب العراقي عما حصل من مواجهات "العراقي المتضرر الوحيد من ما يحدث"، مضيفا ان "الوطن الآن أسير للفساد والعنف معا، بعدما كان اسيرا للفساد".
وعن اعتزاله الذي اعلنه الاثنين قال الصدر ان "اعتزالي هو شرعي لا سياسي"، مؤكدا ان "اعتزالي من السياسة نهائي، فالمرجع قد قال (ماكو تدخل بعد خلاص ماكو تدخل)".
وتصدّر التيار الصدري نتائج الانتخابات الأخيرة ليشغل 73 مقعدا (من 329 مجموع مقاعد البرلمان)، لكن عندما لم يتمكن الصدر من تحقيق أغلبية تمكنه من تشكيل حكومة، اعلن في حزيران استقالة نوابه في البرلمان.