يعتبر خبراء عراقيون أن ورقة الضغط الاقتصادية هي أقوى ورقة من الممكن أن تتخذها الحكومة للضغط على تركيا، بهدف إيقاف عملياتها العسكرية داخل الأراضي العراقية وإطلاق كميات أكبر من المياه للعراق.
ودعت غرفة تجارة بغداد، الجمعة الماضي، إلى مقاطعة البضائع التركية، إثر القصف الذي استهدف مصيفا سياحيا في قضاء زاخو بمحافظة دهوك بإقليم كُردستان العراق، وأسفر عن مقتل 9 عراقيين وجرح 23 آخرين.
ونقلت وكالة الأنباء العراقية عن رئيس غرفة التجارة، فراس الحمداني، قوله إن "حجم التبادل التجاري بين العراق وتركيا يصل نحو 20 مليار دولار سنوياً، والمقاطعة ستضر بالاقتصاد التركي، ويوجه رسالة قوية بأن العراق لديه الإمكانيات والقدرات في مقاطعة هذه المنتجات رداً على انتهاكات أنقرة".
ونفت تركيا مسؤوليتها عن قصف دهوك، داعية الحكومة العراقية إلى التعاون للكشف عن الجناة الحقيقيين، بينما قالت وزارة الخارجية العراقية إن "جميع المؤشرات تؤكد مسؤولية أنقرة عن الاعتداء".
وأعلن مجلس النواب، السبت، عن تشكيل لجنة من الأمن والدفاع النيابية والعلاقات الخارجية مع رئيس أركان الجيش ووزارة الدفاع والعمليات المشتركة، هدفها "تقصي الحقائق ميدانياً لموقع الحادث ومعرفة مصدر القصف (...) بالتعاون مع السفارة التركية".
وقرر مجلس النواب العراقي، السبت، تشكيل لجنة مشتركة لتقصي الحقائق ميدانيا حول "الاعتداء التركي في دهوك".
من جهته، يقول خبير الإستراتيجيات والسياسات المائية وعضو التدريس بجامعة دهوك، رمضان حمزة، إن "السياحة ليست كافية لتكون ورقة ضغط قوية ضد تركيا"، في إشارة للخطوة التي اتخذتها بعد مكاتب السياحة العراقية بإيقاف الرحلات لتركيا.
ويوضح لـوذلك لأن غالبية المواطنين لا يلتزمون بهذه المقاطعة، وتركيا ستقدم تسهيلات في مجال التأشيرة، بالتالي فإن المواطن العراقي الذي يعيش في ظل هذه الظروف الصعبة المتمثلة بنقص الماء والمناخ المغبر والعواصف الترابية وارتفاع درجات الحرارة، لا يستطيع أن يلتزم بالمقاطعة".
ويرى حمزة أن العراق "بحاجة إلى وفد تفاوضي بوصلة انتمائه عراقية، لبحث المشاكل بين بغداد وأنقرة، ويكون متمرساً في التفاوض ودبلوماسية المياه، ولدى أعضائه دراية كاملة بالظروف التي تشهدها تركيا".
"ونفس الحال مع إيران أيضاً، من أجل ممارسة الضغط وتحقيق المطالب العراقية من البلدين"، يتابع حمزة، مشيرا إلى أن التظاهرات والاحتجاجات الشعبية رغم أهميتها لإشعار تركيا وإيران بممارساتهما ضد العراق "يجب أن تكون خالية من شعارات عنيفة وعمليات حرق الأعلام".
وتشهد القرى والمناطق الجبلية في كُردستان العراق المحاذية لتركيا منذ 38 عاما، قصفا وغارات جوية إثر الحرب بين مسلحي حزب العمال الكُردستاني المعارض لتركيا والجيش التركي. واختار الجانبان الأراضي العراقية ساحة لصراع خلف حتى الآن أكثر من 45 ألف قتيل منهما ومن المدنيين، إلى جانب أضرار مادية تقدر بمليارات الدولارات.
ويتخذ حزب العمال من أراضي كُردستان العراق قواعد ينطلق منها لمهاجمة القوات التركية في المناطق الجبلية الواقعة على الحدود بين البلدين، معتمدا طريقة "الكر والفر" في تنفيذ هجماته. وبعد انسحاب مقاتلي الحزب، تبدأ القوات التركية بملاحقتهم فتجتاح الأراضي العراقية وتدخل عمقها بحجة القضاء على تحركات المسلحين المعارضين لأنقرة.
في هذا السياق، يقول الخبير الاقتصادي منار العبيدي إن "إيرادات تركيا من السواح العراقيين تجاوزت 190 مليون دولار خلال الأشهر الثلاثة الماضية".
ويضيف أن "استخدام السياحة لوحدها كعامل ضغط على تركيا غير كاف، لأن الإيراداتالمذكورة لا تمثل أكثر من 3.5% من مجمل إيرادات تركيا السياحية"، داعيا السلطات العراقية إلى "الضغط باتجاه رفع التعرفة الجمركية للبضائع التركية والإيرانية".
ويعتبر الخبير الاقتصادي، خطاب عمران الضامن، فرض العراق قيودا جمركية أو كمية على الصادرات التركية، قد "يلحق أضرارا كبيرة بالاقتصاد التركي، الذي يعاني من ضغوط داخليه كبيرة متمثلة بالتضخم والركود".
ويقول الضامن "إذا تمكنت الحكومة العراقية من استخدام الورقة الاقتصادية بشكل منظم بالتعاون والتنسيق مع حكومة إقليم كُردستان، من الممكن أن تضغط على الحكومة التركية وتجعلها تعيد تقييم وإصلاح سياساتها، التي أضرت بالشعب العراقي، خصوصا آخر ثلاث سنوات".