مرصد الجمهورية..
لم تستمر زيارة زعيم التيار الصدري مقتدى الصدر الأخيرة لبغداد سوى 24 ساعة ليقرر بعدها العودة لمقر إقامته في الحنانة بمدينة النجف دون الإدلاء بأية تصريحات أو عقد لقاءات مع أطراف في الإطار التنسيقي في ظل استمرار الخلافات بينهما بشأن شكل الحكومة العراقية المقبلة.
وصل الصدر إلى بغداد يوم الأربعاء كما أعلن بيان صادر عن مكتبه الإعلامي، وظهر بعدها في مقطع مصور وهو يزور مدينة الكاظمية المقدسة لدى المسلمين الشيعة شمالي بغداد.
الزيارة هي الثانية للصدر للعاصمة العراقية خلال أقل من شهرين بعد زيارة أولى أجراها مطلع الشهر الماضي والتقى خلالها قادة الإطار التنسيقي في منزل زعيم تحالف الفتح هادي العامري.
ويضم الإطار التنسيقي تحالف "الفتح" المقرب من طهران، الذي حصل على 17 مقعدا فقط مقابل 48 في البرلمان السابق، فضلا عن تحالف "دولة القانون" برئاسة رئيس الوزراء الأسبق، نوري المالكي، (33 مقعدا)، وأحزاب شيعية أخرى.
ويردد الصدر، الفائز الأول في الانتخابات بحصوله على 73 مقعدا، منذ عدة أشهر الحديث عن عزمه تشكيل حكومة "أغلبية وطنية" ممثلة بالأحزاب التي حصلت على أعلى عدد من الأصوات.
وتتعارض مواقف الصدر مع تلك التي تدعو إليها الفصائل الموالية لإيران، مطالبة بحلول تقليدية وتسوية لجميع الأطراف.
وظهرت أقوى إشارة إلى قوة الصدر البرلمانية واستعداده لتجاهل الجماعات الموالية لإيران عندما أعادت الحركة الصدرية التي يتزعمها، ومعها تحالف برلماني من السنة والأكراد الميالون للغرب، انتخاب رئيس للبرلمان يعارضه المعسكر المتحالف مع إيران. وتمت إعادة انتخابه بأغلبية مريحة.
وجرى التجديد لرئيس البرلمان السابق محمد الحلبوسي في التاسع من هذا الشهر، فيما انتخب القيادي في التيار الصدري حاكم الزاملي وعضو الحزب الديمقراطي الكردستاني شاخوان عبد الله نائبين له.
وفي تعليقه على برنامج زيارة الصدر لبغداد يقول مصدر في التيار الصدري إنه "لم يكن في برنامج الزيارة أي لقاءات للصدر مع قادة الإطار التنسيقي".
ويضيف المصدر، الذي طلب عدم الكشف عن هويته، في حديث لموقع "الحرة" إن "حلقة الوصل بين الإطار والصدريين هو هادي العامري ولم يكن هناك أي تنسيق لعقد لقاء يجمع بينه وبينه الصدر".
ويتابع المصدر أن "زيارة الصدر كانت تهدف لمناقشة أمور داخلية في التيار مع الهيئة السياسية في التيار الصدري، ومن بينها تنظيم عمل سرايا السلام" الجناح المسلح لزعيم التيار الصدري.
مدفوعا بحيازته العدد الأكبر من مقاعد البرلمان (73 مقعدا من أصل 329)، كرر الصدر إصراره على تشكيل "حكومة أغلبية" ما يعني قطيعة مع التقليد السياسي الذي يقضي بالتوافق بين الأطراف الشيعية الكبرى.
ولتحقيق هذه الغاية تحالف التيار الصدري مع كتلة تقدم بقيادة الحلبوسي (37 مقعدا) والحزب الديمقراطي الكردستاني بزعامة مسعود بارزاني (31 مقعدا) من أجل الحصول على الغالبية المطلقة (النصف زائد واحد من أعضاء البرلمان)، وتسمية رئيس للوزراء يقتضي العرف أن يكون شيعيا.
يؤكد المصدر في التيار الصدري لموقع "الحرة" أن "الاتفاق الثلاثي بين الصدر والحلبوسي وبارزاني هو الأساس في تشكيل الحكومة، وأي لقاءات أخرى هي هامشية ولا تؤثر على هذا التحالف".
ويشير إلى أن "الصدر يمكن أن يقتنع ببعض رؤى الإطار التنسيقي وإدخالهم ضمن حكومة الأغلبية لكن وفق شروطه وليس شروطهم".
ويبين المصدر أن "المضي باتجاه تشكيل حكومة الأغلبية شهد تقدما كبيرا بعد انتخاب الحلبوسي ونائبيه".
ويكشف المصدر أن "الإطار التنسيقي يريد أن يكون مصدر قرار في التحالف الثلاثي، ويفرض شروطه على الشركاء والوزراء ورؤيته لطريقة عمل الدولة في المرحلة المقبلة، وهذا غير ممكن".
بالمقابل "نحن نقول إن أي طرف يدخل في الاتفاق، يجب أن يكون تحت إدارة رئيس الحكومة العراقية التي ستشكل" يؤكد المصدر.
بالتالي، يبين المصدر أن "هذه هي شروطنا لقيادة الدولة، ومن يقبل بها فهو مصدر ترحيب للمشاركة في الحكومة المقبلة، وبخلافه فيمكنهم الذهاب للمعارضة".
ومنذ أن صدرت نتائج الانتخابات النيابية قبل ثلاثة أشهر، رفضت القوى المنضوية في تحالف "الفتح" والموالية لإيران، نتائج الانتخابات بشكل قاطع، ونددت بـ"تزوير" ونظمت تظاهرات في المنطقة الخضراء المحصنة في العاصمة حيث مقرات حكومية ودبلوماسية، وصلت الى حد محاولة اقتحامها.
وحول موقف الإطار التنسيقي من تحركات الصدر المتعلقة بتشكيل حكومة الأغلبية يقول رئيس المركز العراقي للتنمية الإعلامية، عدنان السراج، "إذا انفرد التيار بتشكيل الحكومة فإنها لن تستمر طويلا".
ويضيف السراج لموقع "الحرة" أن "الإطار لديه قرار استراتيجي في هذا الشأن وهو أنه في حال لم تنجح المفاوضات مع الصدر، فستكون هناك عدة خيارات، من بينها مقاطعة العملية السياسية".
ويتابع السراج أن "الإطار اتخذ قرارا استراتيجيا، بأنهم سيبقون متماسكين ولا يوجد اتفاق بمعزل عن أي طرف من أطراف الإطار".
بالمقابل يرى المحلل السياسي إياد العنبر أن "الصدر حقق رسالتين من زيارته الأخيرة لبغداد، الأولى أنه حضر للعاصمة، ولكنه لا يبالي بلقاء قوى الإطار من عدمه".
ويضيف العنبر لموقع "الحرة" أن "الرسالة الثانية هي أنه ماض من دون أن يكون هناك أي التفات للوراء" لتشكيل حكومة الأغلبية.
ويشير العنبر إلى أن "ذهاب قوى الإطار لخيار المقاطعة، ربما يكون مجرد تلويح وتهديد، لكنه لن يغير من الواقع السياسي أي شيء".
ويتابع العنبر: "بلغة الأرقام، لن يكون لهذه المقاطعة أي تأثير كبير، باعتبار أن أعداد المقاطعين غير مؤثرة على عمل البرلمان، على الرغم من الثقل السياسي الكبير الذي تمتلكه تلك القوى".