ما زالت السيادة العراقية مخترقة ومنتهكة، فتارة تُنتهك من الشرق، وأخرى من الشمال، وبعضها من الغرب، فإيران تقصف مناطق عراقية من دون أن تعتذر ولو في بيانٍ شكلي، وتبقى أذرعها تتحكم بمقدّرات العراق.
أما تركيا، فلم تكتفِ بعملياتها التي أطلقتها مسبقاً بمختلف تسمياتها، حتى شرّعت بعملية جديدة داخل الأراضي العراقية ومدعومة بطيران حربي، لتجعل سيادة العراق في مهب الريح، ولا ترد على أي بيان يصدر من الحكومة في بغداد.
والعملية التي شنتها تركيا، أول من أمس (الاثنين)، في إطار سلسلة عمليات عسكرية متواصلة بذريعة محاربة حزب «العمال الكردستاني» المعارض، نُفذت عبر مروحيات وطائرات مسيّرة، قصفت خلاله مناطق تينة، الزاب، أفاشين وباسيان في إقليم كردستان العراق.
وتبقى ذريعة حزب العمال الكردستاني ترفعها تركيا، مع كل عملية تتوغل فيها بالأراضي العراقية، خاصة بعد سيطرتها على عدد من المناطق التي تقول عنها أنقرة إن عناصر العمال الكردستاني كانوا يتواجدون بها.
ووفقاً لمسؤول كردي، فقد سيطر الجيش التركي على مواقع حيوية في قمة جبل متين ومرتفعات كورزار، شماليّ محافظة دهوك، انسحب منها مسلحو "العمال الكردستاني"، متحدثاً عن عمليات داخل عمق 15 كيلومتراً في الأراضي العراقية حالياً.
ولاقت العملية العسكرية الجديدة التي شنتها القوات التركية داخل الأراضي العراقية في شمال البلاد، غضباً واستياءً لدى الأوساط الرسمية والشعبية العراقية، فيما وجهت بغداد إلى أنقرة مذكرة احتجاج شديدة اللهجة، في حين اعتبرت الرئاسة العراقية العملية "خرقاً للسيادة العراقية وتهديدا للأمن القومي".
وأعلنت وزارة الخارجيّة العراقية، أمس الثلاثاء، استدعاء سفير أنقرة لدى العراق علي رضا كوناي وتسليمه مذكّرة احتجاج "شديدة اللهجة"، مطالبة بـ "الكف عن مثل هذه الأفعال الاستفزازية، والخروقات المرفوضة".
وجددت الخارجية عبر بيان مطالبتها بـ"انسحاب كامل القوّات التركية من الأراضيّ العراقيَّة بنحوٍ يعكسُ احتراما ملزما للسيادة الوطنية"، في إشارة إلى القواعد العسكرية التي تحتفظ بها أنقرة داخل العراق، ومنها قاعدة «زليكان» الموجود في منطقة بعشيقة شرق مدينة الموصل.
وأكدت أن "العراقَ يمتلك الحق القانونيّ لاتخاذ الإجراءات الضروريّة والمناسبة وفقاً لأحكام ميثاقِ الأُمم المُتحدة، وقواعد القانون الدولي إزاء أعمالٍ عدائيّة وأُحادية الجانب كهذه، إذ تجري دون التنسيق مع الحكومة العراقيَّة".
وذكرت الوزارة أن "وجود معظم عناصر حزب العمال الكردستانيّ (pkk) في شمال العراق قد جاء نتيجةً لاتفاقٍ بين الحكومة التركيَّة والحزب المذكور، بالتزامن مع رفضِ واحتجاجِ العراق لما نراه من تصدير لتحد داخلي تركي إلى أراضيَ العراق".
ودانت رئاسة الجمهورية، أمس، العمليات التركية في العراق، وقال ناطق باسمها إن "الرئاسة تُتابع بقلق بالغ العمليات العسكرية التركية الجارية داخل الحدود العراقية في إقليم كردستان، وتعدها خرقاً للسيادة العراقية وتهديدا للأمن القومي العراقي".
وأضاف أن "تكرار العمليات العسكرية التركية داخل الحدود العراقية في إقليم كردستان ومن دون تنسيق مع الحكومة الاتحادية العراقية رغم دعوات سابقة إلى وقفها وإجراء محادثات وتنسيق حولها هو غير مقبول".
وتابع: "في الوقت الذي نؤكد على تعزيز العلاقات الإيجابية مع تركيا على أساس المصالح المشتركة، وحلّ الملفات الأمنية عبر التعاون والتنسيق المشترك المسبق، فإن الممارسات الأمنية الأحادية الجانب في معالجة القضايا الأمنية العالقة أمر مرفوض، ويجب احترام السيادة العراقية".
ووجه زعيم التيار الصدري مقتدى الصدر، عبر تغريدة في تويتر رسالة إلى تركيا قال فيها إن "الجارة تركيا قد قصفت الأراضي العراقية بغير حق وبلا حجة، وإن كان هناك خطر يدهمها من الأراضي العراقية فعليها التنسيق مع الحكومة العراقية لإنهاء الخطر، فالقوات الأمنية العراقية قادرة على ذلك".
وتابع: "وإن تكرر ذلك منها فلن نسكت، فالعراق دولة ذات سيادة كاملة ولن يقبل بالتعدي وزعزعة الأمن في أراضيه، ولن يقبل بالاعتداء على دول الجوار الشقيقة والصديقة"، مضيفاً: "إننا ممن يحبذ تقوية العلاقات المشتركة والمتوازنة مع دول الجوار كافة وكذا التعامل بالمثل دبلوماسيا وأمنيا".
ويواصل حزب العمال الكردستاني إحراج السلطات في بغداد مع تركيا، خاصة وأنها توجه دعوات لأنقرة لكن الأخيرة تتجاهلها، ولا ترد عليها، في وقت تحدثت مصادر أمنية عن تعرض عدد من جنود الجيش العراثي لهجوم من قبل العمال الكردستاني الذي ينشط قرب سنجار.
في السياق ذاته، توقع الباحث بالشأن السياسي العراقي فراس ألياس ألا تكون العملية التركية الحالية سوى مرحلة أولى لعمليات لاحقة لها أهداف محددة.
وأضاف ألياس، في سلسلة تغريدات على حسابه بموقع "تويتر"، أن "العملية التي انطلقت يوم أمس ليست إلا الصفحة الأولى، وستتبعها عمليات أخرى تطاول محيط سنجار ومخمور، من أجل قطع أي تواصل جغرافي للحزب، مع الحدود العراقية التركية، وكذلك خلق حائط صد مع مناطق انتشار قوات البيشمركة".
وأكد أن الهدف التركي الآخر من العمليات "حظر مرور الحزب عبر العراق وسورية إلى تركيا بشكل كامل، وتدمير مراكز القيادة والسيطرة التابعة للحزب في محيط سنجار".