مرصد الجمهورية
رغم توقيعها في شهر سبتمبر من العام 2021، لم تدخل بشكل رسمي حتى الآن ما يعرف باتفاقية سنجار حيز التنفيذ بسبب مشاكل كثيرة سياسية وأمنية ومجتمعية.
وقبل اتفاق قضاء سنجار الذي وقعته بغداد مع اربيل بعد وصول رئيس الوزراء الحالي مصطفى الكاظمي إلى السلطة، كان القضاء خاضعة لسيطرة إدارتين الأولى غير معترف لها تديرها الأحزاب والجماعات المسلحة ذات النفوذ الكبير في القضاء، واخرى رسمية تدير مهامها من محافظة دهوك، لكنه مضي نحو عامين على توقيع الاتفاق الذي يصفه الحزب الديمقراطي الكردستاني بـ"التاريخي"، فلا يزال القضاء يعاني من وجود إدارة داخل الإدارة، حيث لا زال المسلحون يتحكمون بوضع القضاء بشكل كبير، ويمنعون القوات الاتحادية من فرض سلطتها على جميع قرارها.
وبعد إعلان توقيع الاتفاق قالت الحكومة الاتحادية، إنها "ستنهي سطوة الجماعات الدخيلة وتعيد القضاء إلى سلطة القانون والدستور".
وبحسب حكومة بغداد فإن أهم بنود الاتفاق هي وضع إدارة مشتركة بالتعاون بين الحكومة الاتحادية وإقليم كردستان وإلغاء الترتيبات التي وضعت بعد عام 2017.
وتضمن البند الآخر ايضاً الترتيبات الأمنية والذي يوكل مهمة الأمن للشرطة الاتحادية بالتعاون مع إقليم كردستان، فيما جاء البند ليشمل الخدمات، وتتم أيضا بالتعاون بين الطرفين لإعادة إعمار المدينة التي تضررت بمستوى ثمانين في المئة بسبب احتلالها من قبل داعش.
وكان رئيس الوزراء العراقي مصطفى الكاظمي قد أكد في بيان صادر عن مكتبه، أن “الحكومة الاتحادية وبالتنسيق مع حكومة الإقليم ستؤدي دورها الأساس في سبيل تطبيق الاتفاق بشكله الصحيح، لضمان نجاحه، وذلك بالتعاون مع أهالي سنجار أولا".
ويدخل كل ما هو أمني ضمن نطاق وصلاحيات الحكومة الاتحادية بالتنسيق مع حكومة إقليم كردستان. أما الجانب الخدمي فسيكون من مسؤولية لجنة مشتركة بين الحكومة الاتحادية وحكومة الإقليم ومحافظة نينوى.
أكبر من أي اتفاق
ولقضاء سنجار قصة طويل ومعقدة، أمنية واجتماعية وسياسية، لكن الأسوأ جرى عام 2014 حين سيطرة عليها مجاميع مسلحة تنتمي لتنظيم داعش، والتي احدثت مجازر دموية وسبت الآلاف من النساء الايزيديات وقتلت الآلاف ايضاً ودفنتهم بمقابر جماعية لا زالت الكثير منها غير مكتشفة حتى الآن، ووسط حالة من التشتت الديمغرافي والأمني والسياسي والإداري، تخلص القضاء من داعش عام 2015، لتأتي بعدها في السابع عشر من أكتوبر عام 2017 قوات الحشد الشعبي مسنودة بقرارات صادرة من بغداد لتسيطر على القضاء بعد استفتاء الاستقلال الذي اجراه اقليم كردستان.
ومنذ العام 2017 وإلى الآن، يعاني القضاء المتنازع عليه بين بغداد واربيل من مشاكل عديدة، وسطوة الجماعات المسلحة المرتبطة بإيران وكذلك تنامي نفوذ حزب العمال الكردستاني بعدم من قبل جهات سياسية تريد فرض نفوذها من خلال ابقاء التشتت والفوضى في القضاء، ناهيك عن استمرار تركيا بتنفيذ غارات جوية ضد معاقل حزب العمال الكردستاني، الأمر الذي يزيد من أزمة استقرار القضاء.
وتفرض الجهات المسلحة الخروج من قضاء سنجار وتسليمه للقوات الاتحادية بالكامل، ويأتي هذا التعنت بحسب مراقبون لأهمية القضاء الاستراتيجية والسياسية والاقتصادية ايضاً، فهو يعق في شمال غرب العراق وبذلك فإن يمثل مدخل للعمق السوري المرتبط بالمصالح الايرانية بشكل كامل.
يقول سامان كامل (43 عاماً)، وهو أكاديمي وباحث سياسي من أهالي سنجار، "هناك من يريد فرض نفوذه السياسي والديني على مجتمع سنجار الذي فيه العديد من الطوائف والديانات والمذاهب"، مضيفا "لم نتخلص من وحشية داعش الارهابية لنقع فريسة الصراعات السياسية والعقائدية بين المتقاتلين على السلطة".
ويضيف كامل وهو رئيس منتدى للايزيديين الذي ينتمي لهم، في مواقع التواصل الاجتماعي، "هناك رفض مجتمعي لكل ما يحصل داخل قضاء سنجار، حيث تعمل بعض الجماعات المسلحة المرتبطة بالأحزاب الولائية على ايجاد تغيير ديموغرافي في القضاء بهدف السيطرة عليه ادارياً وسياسياً واقتصادياً".
في المقابل يحذر الخبير الأمني أحمد رعد، من ان "يتحول قضاء سنجار إلى مثل حالة جرف الصخر بمحافظة بابل أو ما يجري في قضاء الطارمية شمالي البلاد".
ويتابع "حتى الآن لا توجد أي دليل على أن هناك تطبيق فعلي لاتفاق سنجار الموقع بين بغداد وأربيل"، موضحاً "الأمر يحتاج إلى تفاهمات سياسية - دولية – محلية"، فهناك أطراف دولية مثل ايران وتركيا تتدخل وفق ما تملي عليها مصالحها في سنجار، حيث تريد انقرة وضع حد لحزب العمال الكردستاني فيما تعمل ايران على ابقاء ممرها الآمن نحو سوريا وشمال العراق، بيد الفصائل التي تواليها".
يقول محما خليل، قائمقام قضاء سنجار إن "حزب العمال الكردستاني يعرقل تنفيذ اتفاق سنجار كما أن بعض الفصائل المسلحة الخارجة عن القانون تحاول باستمرار زج نفسها في صراعات من اجل عدم اتخاذ أي خطوة من شأنها الاسراع يتنفيذ الاتفاق".
ولفت إلى أن "عدم تطبيق اتفاق سنجار يعكس ضعف هيبة الدولة، ويمنح الاستقواء لعناصر بي كا كا والقوات التي جاءت من خارج الحدود، وبعض الفصائل المسلحة".
"لا بديل عن اتفاق سنجار، لكي لا يتحول القضاء إلى حلبة صراع بين جهات خارجية وداخلية"، مشيرا إلى أن "أهالي المحافظات رافضين العيش تحت نيران القصف التركي من جهة وتهديد الجماعات المسلحة من جهة اخرى، وان هناك رغبة فعلية لدى اهالي سنجار تطبيق الاتفاق بأسرع وقت ممكن"، يتابع خليل.
وفي اجتماع سابق عقده رئيس حكومة إقليم كردستان شمالي العراق مسرور بارزاني، ووزير الدفاع الأمريكي لويد أوستن في مؤتمر قمة الأمن الإقليمي المنعقد حاليا في العاصمة البحرينية المنامة، أكد الجانبان على ضرورة تطبيق اتفاق سنجار،
جاء ذلك خلال اجتماع الطرفين على هامش ، وفق بيان صادر عن حكومة الإقليم.
وذكر البيان، أن أوستن "أكد أن إقليم كردستان حليف وشريك مهم للولايات المتحدة في المنطقة".
كما جدد المسؤول الأمريكي، "التزام الولايات المتحدة بمواصلة دعم إقليم كردستان، وقوات البيشمركة (تابعة للإقليم)، في التصدي لتنظيم داعش".
ووفق البيان، أكد بارزاني وأوستن، أهمية "تنفيذ اتفاق سنجار، وحسم القضايا العالقة بين بغداد وأربيل.
تدخل أممي
ويشير مازن شيخ جنكي، أحد المسؤولين المحليين في قضاء سنجار ، إلى أن "هناك مواطنون ايزيدون من صحفيين واكاديميين وتدريسيين في الداخل والخارج يعملون على ايصال المشاكل المعقدة إلى المنظمات الدولية بهدف أيجاد تدخل أميي ينهي مأساة الأيزيديين في القضاء ويعيد لهم ما تم سلبه من اراض وبيوت ومزارع".
ويضيف جنكي "على الحكومة الاتحادية التدخل باسرع وقت ممكن لإنقاذ الوضع في سنجار قبل ان تصل الأمور إلى مرحلة خطيرة جداً"، مشيراً إلى أن "الايزيديين يطلبون ضغطاً دولياً على حكومتي بغداد وإقليم كردستان بهدف الاسراع بتطبيق بنود اتفاقية سنجار لتخليص أهليها من حزب العمال الكردستاني والجماعات المسلحة الخارجة عن القانون، وايضاً لتنظيم الحياة مجدداً في القضاء".
وينتظر نحو 40 الف نسمة من الايزيديين النازحين وغيرهم من سكنة قضاء سنجار، تنفيذ الاتفاق بشكل كامل للعودة إلى ديارهم وترك مخيمات النزوح المنتشرة في محافظة نينوى وداخل أراضي إقليم كردستان.
وتشير ممثلة الأمين العام للأمم المتحدة جينين بلاسخارت، "اتفاق سنجار هو بداية حقيقية لعودة النازحين إلى مناطقهم، وإن الأمم المتحدة مستعدة لدعم الاستقرار في هذه المنطقة".
يقول النائب السابق في البرلمان الاتحادي بدر الزيادي، إن "حكومتي بغداد واربيل لم تطبقا أي بند من اتفاقية سنجار حتى الآن، حيث اقتصر الأمر على تشكيل قوة اتحادية ارسلت إلى القضاء".
وأضاف "هناك كتل وأحزاب سياسية تقف بالضد تماماً من تنفيذ اتفاقية سنجار، حيث تطلق الاتهامات بأنها بداية لتطبيق المادة 140 من الدستور بما يسمح بالتوسع الكردي".
وتابع "حتى الآن ليس هناك أي تطبيع إداري أو سياسي أو حتى يمكن ان نقول تطبيع مجتمعي، حيث الأوضاع تتجه إلى التشنج باستمرار ويعيش الأهالي بين نيران عدة داخلية وخارجية، خصوصاً بما يتعلق باستمرار القصف التركي على أراضيهم، ورغم المخاطبات الحكومية والرسمية والدولية، الا أن تركيا ترى لها الحق بملاحقة حزب العمال الكردستاني اينما وجودوا".
وبحسب التصريحات الرسمية، فإن أن البند الأمني في اتفاقية سنجار حقق نحو 40 % مما مطلوب منه على الأرض، حيث تم تغيير القطاعات الأمنية وتوزيعها، ومسك مركز القضاء وتخصيص 2500 درجة وظيفية لشرطة سنجار من أبنائها، كما تم إكمال تعيين ومقابلات 500 شخص منهم 250 من داخل المخيمات في إقليم كردستان و 250 من السنجاريين الموجودين داخل مركز قضاء سنجار إضافة إلى عمليات أمنية كبيرة حصلت كرفع المتفجرات، وتحسين بيئة المناطق التي تستقبل عودة النازحين إليها.