مرصد للجمهورية
طالت الحرب الروسية الأوكرانية، العراق الذي خرج من دائرة الاكتفاء الذاتي من بعض السلع الأساسية.
قد لا يكون ذلك التأثير مباشراً، ولكن بطريقة التصادم وتدافع الأزمة واتساعها عالمياً، يدخل العراق دائرة التأثر بذلك النزاع العسكري الذي يدخل يومه الثامن.
ويعتمد العراق بشكل كبير على استيراد أغلب احتياجاته الأساسية من السلع والمواد الغذائية في ظل غياب وتراجع كبير للصناعة والإنتاج المحلي منذ أكثر من عقدين.
القمح الروسي والأوكراني
وتشكل روسيا وأوكرانياً، من كبريات الدول المصدرة للحبوب بما يعادل 25%، مجموع الإنتاج العالمي، وهو ما يدفع بتأثر العراق في ذلك الجانب خصوصاً أن البلاد ترعى نظاماً غذائياَ مدعوم حكومياً لتجهيز مواطنيه ضمن ما يعرف بـ"البطاقة التموينية".
وبحسب مدير الشركة العامة لتجار الحبوب العراقية السابق، عبد الرحمن الجوبيراوي، يحتاج العراق سنوياً إلى ما يقرب من الـ5 ملايين طن من مادة القمح لتأمين مفردات الحصة التموينية.
تأتي تلك التطورات على وقع تقليص اعتمده العراق في الخطة الزراعية الخاصة بالحبوب لهذا العام والذي سبقه لمستوى النصف جراء الأزمة المائية التي تعيشها البلاد منذ سنوات وتفاقمت حدتها منذ 2018.
ووفقاً لإحصائيات رسمية، يحتاج العراق شهرياً نحو مليون طن من مادة الحنطة، يذهب منها نحو 440 ألف طن لتجهيز مفردات البطاقة التموينية، فيما يبلغ الإنتاج المحلي سنوياً أكثر من 3.5 مليون طن.
تأثير الحرب على العراق
ومن المحتمل أن تندفع تأثيرات الحرب الروسية الأوكرانية على العراق في موضوع توريد المواد الغذائية خصوصاً مادة الحبوب، من خلال زيادة الطلب العالمي وهو ما سيقود بالنتيجة إلى ارتفاع الأسعار.
وشهد العراق في الربع الأخير من العام الماضي، ارتفاعاً في أسعار مادة الطحين بزيادة تجاوزت الـ40% من قيمة شرائها عما كانت عليه سابقاً.
وعزى مراقبون أسباب ذلك الارتفاع المفاجئ، إلى تداعيات قرار البنك المركزي العراقي برفع قيمة صرف الدولار أمام الدينار العراقي، وتقلص المساحات الزراعية نتيجة أزمة المياه بعد انخفاض مناسيب واردات مناسيب دجلة والفرات مؤخراً إلى نحو 50%.
تأتي هذه الأزمة مع الشح المائي وارتفاع حدته التي أخرجت العراق من تحقيق الاكتفاء الذاتي من مادة الحنطة بعد بلوغ ذلك في أكثر من موسم زراعي، وهو ما فرض الذهاب نحو الاستيراد لتعويض النقص في الإنتاج المحلي.
وكان من المفترض وضمن خطة مسبقة زراعة 5 ملايين دونم بما يحقق وفرة في مادة الحنطة إلا أن وزارة الموارد المائية دفعتنا إلى التقليص بمستوى النصف منذ أكثر من عام جزاء أزمة المياه التي تعيشها البلاد.
وشهدت الأسعار العالمية للحبوب بشكل عام تصاعداً جراء الحرب الروسية الأوكرانية، فيما تشير التوقعات الى ان تصل قيمة الطن الواحد من الحنطة في غضون الأيام المقبلة إلى نحو 400 دولار بعد أن كانت لا تتجاوز الـ300 دولار.
وتشير الإحصائيات إلى أن حجم التبادل التجاري بين اوكرانيا والعراق قد فاق في العام 2018 الـ 644 مليون دولار اميركي، ومن مجموعة المنتجات المصدرة من اوكرانيا الى العراق والتي لها وزن محدد في هيكلية التصدير، هي الدهون والزيوت الحيوانية أو ذات المنشأ النباتي (42,2%)، والمعادن الحديدية (40,5%)، واللحوم الصالحة للأكل (6,9%)، والحليب ومنتجات الألبان وبيض المائدة والعسل (2,8%)، ومنتجات الحبوب (1,6%)، والسكر والحلويات (0,8%)، والفواكه والمكسرات الصالحة للأكل (0,7%).
ووفقاً لإحصاءات صادرة عن الإدارة الأوكرانية، يحتل العراق المرتبة السادسة من بين أكثر من 15 دولة نمت فيها صادرات البضائع من أوكرانيا أكثر من غيرها والتي تبلغ 164,9 مليون دولار.
كما يحتل العراق المركز 11 من بين أكثر البلدان الـ 15 كشريك في تصدير البضائع من أوكرانيا، وفقاً لإحصاءات الإدارة الحكومية الأوكرانية.
ويعد العراق واحد من أبرز مستوردي للحبوب في الشرق الأوسط، رغم أنه يزرعها لكن الإنتاج لا يكفي الحاجات المحلية.
ويتطلب الاستهلاك المحلي بين 4.5 إلى 5 ملايين طن سنويا للاستهلاك المحلي، وهو ما يضطره إلى الاستيراد الخارجي وغالبه يأتي من أوكرانيا وروسيا.
وتشكل روسيا وأوكرانيا نحو 30 بالمئة من الإنتاج العالمي للقمح، السلعة الاستراتيجية في كل البلدان، ويعتمد العراق على اسيراد كميات من احتياجته من القمح على هذين البلدين، لرخص ثمنها.
ورغم أن بغداد تقول إن لديها مخزونا جيدا من القمح، إلا أنها أقرت بأنها قد تضطر إلى طرق الأسواق لشراء القمح في حالة طالة الحرب في أوكرانيا.
لكن مشكلة القمح تبدو أسهل من مشكلات أكثر تعقيدا في العراق نتيجة الحرب في أوكرانيا.
وعلى رغم استمرار العمليات العسكرية ضد جيوب تنظيم داعش الإرهابي في بعض محافظات العراقية، ومضي الحكومة الحالية في تعزيز قدرة القوات النظامية في مواجهة المجموعات المسلحة، إلا أن تلك الخطط، يبدو أنها ستتوقف، بسبب تجميد التنسيق والتواصل مع روسيا، التي أبرمت عدة صفقات لتسليح الجيش العراقي.
وقال ضابط في وزارة الدفاع العراقية، إن الوزارة أوقفت تعاملها مع الجانب الروسي، فيما يتعلق بإجراءات عدة صفقات تسليح، كان البعض منها، يقترب من التنفيذ، والبعض الآخر، قيد الدراسة، لكنها توقفت جميعاً، بسبب ظروف الحرب، فضلاً عن العقوبات الموجهة ضد موسكو، وما تعنيه من عدم إمكانية دفع أية مبالغ لشراء أسلحة أو معدات"
ويضيف الضابط الذي رفض الكشف عن اسمه
أن نحو 5 برامج تعاون أوقفتها الوزارة، تتعلق أغلبها بالتسليح وشراء المعدات ومنظومة إس 300، بالإضافة إلى صيانة الطائرات، وتوفير قطع غيار لها".
ولفت إلى أن "الوضع ربما يكون مؤقتاً، وهذا يرتبط بالجانب السياسي".
وما زال التنسيق العراقي الروسي قائماً فيما يتعلق بالتسليح والتدريب، على رغم الاعتماد المتزايد على الولايات المتحدة في هذا الجانب.
ولم يتوقف تأثير الاجتياح الروسي، على حد الجانب الأمني، بل أصاب القطاع النفطي، كذلك حيث تنتشر العديد من الشركات الروسية في البلاد، خاصة بإقليم كردستان العراق.
ووفقا للتقديرات، فإن إجمالي الديون العامة على العراق في ما يخص الدائنين الاعضاء في نادي باريس بما فيهم البرازيل وكوريا الجنوبية يصل إلى أكثر من 21 مليار دولار، بدأ العراق بتسديدها، منذ عام 2003.