مرصد الجمهورية
تظهر الإحصائية الأخيرة لوزارة التخطيط عن التعداد السكاني في العراق مجتمعاً فتياً في البلاد، حيث "أكثر من 68 في المائة من سكان العراق هم دون سن الثلاثين".
وتجاوز تعداد السكان لعام 2021 الـ41 مليون نسمة. وبلغ عدد الذكور 20 مليونا 810 آلاف و479 نسمة (نسبتهم 51 بالمئة من مجموع السكان)، في حين قدر عدد الإناث بـ 20 مليونا و380 ألفا و20 نسمة (49 بالمئة من السكان).
ووصلت نسبة السكان من الأطفال دون سن الخامسة عشرة إلى نحو 40 في المئة، في حين بلغت نسبة السكان في سن العمل (15 - 64 سنة) أكثر من 57 في المئة، وانخفضت نسبة كبار السن (65 سنة فما فوق) إلى 3 في المئة.
وأوضح البيان أن التقديرات لعدد سكان المناطق الحضرية للعراق بلغ 28 مليونا و779 ألفا و201 نسمة لسنة 2021 وبنسبة مقدارها 69.9 بالمئة من مجموع السكان.
وأشار إلى أن "التقديرات أظهرت أن العاصمة بغداد شكلت أعلى المحافظات في عدد السكان لسنة 2021، إذ قُدّر عدد سكانها بـ 8 ملايين و870 ألفا و422 نسمة، بنسبة مقدارها 21.3 بالمئة من مجموع السكان، في حين جاءت محافظة المثنى (جنوب) أقل المحافظات سكانا بحوالي 880 ألف نسمة وبنسبة 2.1 بالمئة".
وكانت آخر أرقام تقديرية أعلنتها وزارة التخطيط في يناير/ كانون الثاني من العام الماضي أفادت بأن عدد سكان البلاد لعام 2020 بلغ 40 مليونًا و150 ألف نسمة، موزعين بواقع 50.5 بالمئة للرجال و49.5 بالمئة للنساء.
التغيير المفقود
يأتي هذا في وقت "عجزت في الحكومات المتعاقبة عن أحداث أي تغيير أو إصلاح في البلاد وخاصة فيما يتعلق بخدمات البنى التحتية أو بالتعليم والعمل والصحة وغير ذلك"، يقول الناشط الحقوقي أكرم عباس .
ويعتقد أن إمكانية إيجاد الحلول يعتمد بالأساس على استغلال هذه الأعداد الهائلة من الشباب والشابات في مشاريع القطاع الخاص لضمان تطور المجتمع. ولكن البطالة تسيطر على جزء كبير من البلاد، وتمكنت من دفع الكثير من الشباب على الهجرة بحثاً عن أماكن للرزق والاستقرار.
وتشير آخر الاحصاءات إلى أن نسبة البطالة بلغت في العاصمة بغداد 9.3 بالمئة، أما محافظة الانبار فقذ سجلت أعلى نسبة بطالة في البلاد وبواقع 32.4 بالمئة، تليها محافظة دهوك بنسبة 26.4 بالمئة ومن ثم محافظة ميسان بنسبة 20.4 بالمئة، فيما تعد أقل نسبة للبطالة في العراق في محافظة كركوك بنسبة 6.3 بالمئة، تليها محافظة كربلاء بنسبة 6.7 بالمئة، تليها محافظة البصرة بنسبة 7.6 بالمئة.
كما أن نسبة البطالة في محافظات كوردستان بلغت 17.4 بالمئة وفي محافظات الشمال 17.1 بالمئة، وفي محافظات الوسط 9.7 بالمئة، وفي المحافظات الجنوبية 14 بالمئة، أما نسبة البطالة في الريف بلغت 14 بالمئة وفي الحضر بلغت 13.2 بالمئة.
ويرى الناشط أن "الدولة العراقية بحاجة ماسة في التركيز على المشكلة الأساسية والمتعلقة بالبطالة وانعدام فرص العمل، لأن حل هذه المشكلة سيخلص الكثير من الشباب من الخاطرة بأنفسهم من أجل الهجرة".
الوضع الديموغرافي في العراق
وكانت ممثلة صندوق الأمم المتحدة للسكان في العراق، الدكتورة ريتا كولومبيا، قد، أكدت ببيان، أن "الوضع الديموغرافي في العراق آخذ في التغير من سنوات ونشهد حالياً نسبة مرتفعة للسكان الأصغر سناً، مع حوالي 50 إلى 60 بالمئة من الأشخاص تتراوح أعمارهم حتى 30 عاماً، مما يوفر فرصة للعائد الديموغرافي، وإذا كانت هناك سياسات وإجراءات من الدولة والحكومة والمجتمعات لتمكين الشباب، وخاصة الفتيات، من خلال التعليم والخدمات الصحية وتنظيم الأسرة والتوظيف".
يقول الباحث الاقتصادي نوفل سعد إن "التغيير الديموغرافي الذي تمر به البلاد حالياِ، من أفضل الطرق لتحقيق التنمية الاقتصادية".
ويتابع "لأن هذه التنمية قد لا تحدث مع (المال والأرض والتكنولوجيا) ما لم يدعمها العنصر البشري ويوظفها بالاتجاه الصحيح".
ويرى أن هذا يوجب على الحكومة مسؤولية استغلال العنصر البشري المرتفع في نسب السكان الأصغر سناً في البلاد كي تحقق التنمية الاقتصادية وتنهض بالشباب الذي يشعر بالإحباط واليأس من إهمال حقوقه ومعاناته.
ويضيف أن "هذا لن يتحقق ما لم تبدأ الحكومة بإطلاق المشاريع في القطاعات الخاصة ودعمها لتشغيل الشباب وتوفير فرص العمل لهم بدلاً من تركهم للمجهول".
الزواج من مغترب
ولكنّ الفرص بالنسبة لشبابا وشابات العراق داخل بلادهم تبدو معدومة، وتلوّح فكرة الهجرة دائماً في الأفق. تعرّفت منى كاظم (28 عاماً) على نزار منذ أكثر من أربعة أعوام وارتبطا، وأمضت منى ثلاثة أعوام منها وهي تنتظر بلهفة اللحاق بخطيبها الذي يقيم في أميركا الآن.
شبان عراقيون غاضبون من الفساد
"هذه ليست مجرد أعراض جانبية (بريئة) لحالة الفوضى التي يعيشها العراق، بل هي عوامل مهمة يعمل جميع الأطراف على المحافظة عليها كجزء من المشهد العام للمحافظة معهم على مصالحهم الشخصية".
تقول منى إن "الزواج بمغترب من الأحلام المهمة التي تسعى لتحقيقها بعض الفتيات بالعراق".
وتضيف أن "الجميع يحاولون تزويج بناتهم لأي شاب داخل البلاد يتقدم لأحداهن (المهم أنه يتمكن من توفير قوت يومها) دون أن يدركوا حقيقة ما يحدث للفتاة بعد الزواج من مشكلات أغلبها تتعلق بالفقر بسبب قلة فرص العمل".
وتضيف أن الزواج بمغترب "يعني ألاّ أتحول لأرملة أو مطلقة وربما زوجة منسية مع أطفالها بلا معيل نتيجة اعتقال أو اختطاف أو قتل الزوج".
بالنسبة إليها، "الهرب من البلاد يعني أن أعيش بأسلوب حياة جديدة، بعيداً عن القوانين التي لا تُطبق وقيود الأعراف التي تذل المرأة وتكرس كل أفراد العشيرة رئيسا لها"، كما تقول.
بحثاً عن العمل والاستقرار
أحلام الشباب لا تختلف كثيراً عن رغبات الشابات في الهجرة. يقول أثير باقر (21عاماً) إن "الحياة لا تطاق في البلاد وخاصة لمن هم في سني، حيث لا أمل ولا أمان بسبب الأوضاع الأمنية والسياسية غير المستقرة".
ويعجز أثير كما غيره من الشباب عن إيجاد وظيفة أو عملاً يوفر لهم الاستقرار، ويضمن مستقبلهم نتيجة نظام المحاصصة وتهم الفساد المستشري في البلاد.
ويضيف أن "هذا الأمر دفعني كي اترك الدراسة وأعمل (خلّفة) في بناء الدور لتوفير لقمة العيش".
حتى الذين استمروا في الدراسة وتخرجوا من كليات وجامعات لا تختلف رغباتهم عن رغبة محمد في الهجرة من البلاد.
يقول سلام نبيل (26عاماً) إن "سنوات العمر تضيع ونحن ننتظر على أمل أن نحصل على عمل وظيفي يناسب تخصيصاتنا الدراسية".
سلام الذي تخرج من كلية الآداب قبل عامين تقريباً قررت أن يحزم حقيبته والهجرة إلى خارج البلاد بحثاً عن الاستقرار.
يشير إلى أن الاستقرار في العمل الخاص مفقوداً في العراق إذا لم يحصل الفرد على وظيفة حكومية، ولأن الوظائف الحكومية أشبه بالحلم الذي لا يمكن تحقيقه، فالهجرة أفضل بكثير من الانتظار بلا أمل.