مرصد الجمهورية/ بغداد
في ساعات الصباح الأولى، يظهر الضباب بشكل كثيف، ثم بعد ساعات يبدأ بالزوال تدريجياً، فإما أن تستقبله شمسٌ تنير الأرض، أو رعد وبرقٌ وأمطار تملأ الشوارع، وتجعل التجول صعباً، سواء في السيارة أو سيراً على الأقدام، لسوء شبكات الصرف الصحي، والشوارع في العراق.
هذه أجواء الطقس في العراق خلال فصل الشتاء، وتبقى متقلبةً بين يومٍ وآخر، إلى أن يأتي الربيع وسماؤه الصافية، التي بها بعض الغيوم غير المسببة للأمطار الشديدة.
الأمر مشابه تماماً لما يحدث في العراق منذ انتخابات العاشر من تشرين الأول، وإلى اليوم، حيث بقيَت الأجواء السياسية ملبّدة بالغيوم السوداء، تختبئ خلفها عواصف رعدية بعضها مدمّرة تهدد بحدوث كوارث بشرية، وأخرى تحاول حلحلة الأمور، وجعل الجو يمطر مطراً خفيفاً.
وحسب الخبراء الجويين، فإن العاصفة الرعدية تحدث عندما تكون هناك حركة صعودية من الهواء الدافئ الرطب، عندما يتحرك إلى الأعلى، فإنه يفقد الحرارة ويبرد ثم ينضغط، ويشكل السحب التراكمية، حيث تشكل تيارات الهواء قطرات الماء وجزيئات الجليد التي تصطدم مع بعضها البعض وتكوّن طاقة ثابتة تسبب الرعد والإضاءة، وهو نفس الأمر الذي حدث مع كتل الإطار التنسيقي، التي خسرت مقاعد عديدة بالانتخابات، وأحدثت عاصفة أرضية، تسببت بالرعد والإضاءة حين أخرجت جماهيرها إلى الشارع وبقوا معتصمين قرابة الشهرين.
أما البرق، فهو ذلك الوميض المفاجئ للكهرباء في السماء والذي يمكن أن يكون مستقيماً أو متشعباً، ويضرب الأجسام الطويلة لأنه يأخذ دائمًا أسرع طريق إلى الأرض، إذا كان متشعبًا، فإن المزلاج الرئيسي ينزل باتجاه الأرض، ثم تعود ضربة العودة إلى المسار الذي تم إنشاؤه بواسطة الترباس الرئيسي، وهو ما يحدث في الأيام الحالية، حيث نشهد الانفجارات المتكررة، تقوم بها جهات مجهولة، بعد حملة تحريض قادها عدد من السياسيين الذين ينتمون للإطار التنسيقي، ضد المكونين السني والكردي.
وجاء التحريض بعد وقوف الكتلة الصدرية إلى جانب تحالفي تقدم والعزم، وكذلك الحزب الديمقراطي الكردستاني، حين مرروا الجلسة الأولى من البرلمان، باختيار محمد الحلبوسي رئيساً للدورة الخامسة، لتتهم جهات بالإطار التنسيقي، المكونين السني والكردي بإحداث شق في البيت الشيعي.
البرق الذي حدث في الأيام الأخيرة، هو ضرب مقار أحزاب تقدم، والعزم، والديمقراطي الكردستاني، ليعتبر تهديداً لحلفاء الصدر، وهو الأمر الذي ردَّ عليه زعيم التيار الصدري، مقتدى الصدر حين قال: "لن نسمح بتهديد شركائنا والسلم الأهلي، فالحكومة القادمة، حكومة قانون، لا مجال فيها للمخالفة أياً كانت، وممن كان".
الانفجارات جاءت بعد تغريدة أبو علي العسكري، المتحدث العسكري باسم كتائب حزب الله، الفصيل الذي دخل جناحه السياسي في الانتخابات، وحققت كتلته "حقوق" مقعداً واحداً فقط.
تغريدة العسكري التي نشرها بعد جلسة البرلمان الأولى، تضمنت ترجمةً واضحة لما حدث في الأيام الأخيرة، حين قال: "بحسب المعطيات الميدانية والتقديرات الأمنية، فإن أياماً عصيبة ستمر على العراق، يكون الجميع فيها خاسراً"، لتشير أصابع الاتهام إلى عناصر الفصائل المسلحة في ضرب مقار الأحزاب المتقاربة مع الصدر في وجهات النظر.
الصدر ما زال مصرّاً على المضي بتشكيل حكومة الأغلبية الوطنية التي دعا إليها، حتى بعدما استقبل رئيس تحالف الفتح، هادي العامري، قبل يومين، ليزداد المشهد تعقيداً، خصوصاً بعدما أعلن تحالف الفتح، أنه لن يتخلى عن شركائه، بعد تسريبات تحدثت عن قرب تشكيل تحالف يضم الصدر، وبارزاني، والعامري، والحلبوسي.
الضبابية لم تملأ أجواء تشكيل الحكومة فحسب، بل منصب رئاسة الجمهورية الذي هو من حصة الأكراد بحسب العرف السياسي بعد 2003، هو الآخر يشهد تعقيداً متزايداً، وتصريحات تصعيدية بين قطبي الأحزاب الكردية، "الديمقراطي الكردستاني، والاتحاد الوطني الكردستاني".
وقدم الاتحاد الوطني الكردستاني، برهم صالح، مرشحاً لرئاسة الجمهورية، إلا أن الديمقراطي الكردستاني رفض ذلك، وطلب من الاتحاد تقديم بديل عنه، إلا أن الأخير امتنع، لينزل الديمقراطي بهوشيار زيباري مرشحاً لرئاسة الجمهورية، ليبقى الصراع قائماً إلى غاية اليوم، والغيوم تبقى على حالها.
رئاسة البرلمان بدورها، أيضاً تنتظر قراراً من المحكمة الاتحادية، قد يعيد انتخابها مجدداً، أو المضي بإجراءات الجلسة الأولى لمجلس النواب، وذلك يتحدد في يوم الأربعاء المقبل، عندما تنظر المحكمة الاتحادية بالدعاوى المقامتين ضد دستورية الجلسة البرلمانية الأولى.
وعند العودة إلى الخلاف الأكبر داخل البيت الشيع، وصل قائد فيلق القدس، إسماعيل قآاني إلى العراق، في زيارة ابتدأها بالمراقد المقدس والقبور، ثم الاجتماع بقيادات الإطار التنسيقي، لتوحيد الرؤى، وإيجاد مخرجات للأزمة.
وتتحدث مصادر سياسية مطلعة، أن "قآاني، سيحاول لقاء الصدر في النجف، إلا أن الأخير قد يرفض ذلك، لما قد يسببه بتراجع شعبيته، خصوصاً وأن الصدر ينادي بعد كل اجتماع بحكومة أغلبية وطنية، لا شرقية ولا غربية، في إشارة إلى منع تدخل إيران ودول الغرب بتشكيل الحكومة العراقية".
المصادر التي تحدثت لـ "مرصد الجمهورية"، أشارت إلى أن "زيارة قآاني تأتي لتوحيد رؤى الإطار التنسيقي، خاصةً بعد الأخبار المسربة عن توافق العامري والصدر على تشكيل الحكومة، والمضي بها، من دون نوري المالكي، الذي اُنتخب زعيماً لحزب الدعوة".
وأشارت إلى أن "الوساطة الإيرانية متمثلةً بقآاني، جاءت لتقريب وجهات النظر أيضاً بين معسكري الإطار التنسيقي والتيار الصدري، ضمن مبادرة قائمة على أهمية إيجاد حكومة توافقية لا تقصي أي طرف سياسي منها، بعدما أبلغ العامري، الصدر بذلك، خلال لقائه به في النجف".
المصادر أوضحت، أن "العامري أبلغ الصدر بأن الإطار التنسيقي يؤيد مشاركة كل قواه السياسية في الحكومة العراقية ضمن كتلة أكبر تجمعه مع الكتلة الصدرية، من دون تهميش أي طرف من الإطار"، مشيرةً إلى أن "العامري أبلغ الصدر من جهة أخرى، أن قوى الإطار التنسيقي بحثت بجدية مسألة مقاطعة العملية السياسية برمتها، إذا أصر الصدر على تهميش الأطراف السياسية الشيعية من تشكيل الحكومة العراقية الجديدة".
ولفتت المصادر إلى أن "الصدر أبلغ العامري رفضه مشاركة كل الأطراف السياسية الشيعية في الحكومة المقبلة، مع استمرار وضع فيتو على مشاركة المالكي ضمن الكتلة الأكبر التي تجمع التيار الصدري والإطار التنسيقي، وكذلك معارضة مشاركة ائتلاف المالكي في الحكومة الجديدة، إضافة إلى اعتراضه على ضم الأطراف السياسية التي لديها أجنحة مسلحة إلى الحكومة، ومنهم حركة عصائب أهل الحق بزعامة الخزعلي".
ويرى مراقبون للوضع السياسي، أن "الانفراجة في الأزمة قد تحدث قريباً، وتشكيل الحكومة لن يبتعد كثيراً عن التحقيق، بعد شبه إنهاء لاختيار رئاسة البرلمان، ليُحسم بعدها منصب رئيس الجمهورية، ثم الكتلة الأكبر التي تطرح اسماً يشكل حكومة، قد تكون أغلبية أو توافقية".
ومع هذه الأجواء الممطرة في الوسط والشمال والجنوب، تتجه الأنظار إلى أجواء العملية السياسية، فهل تشهد عواصف مدمرة بعد المضي بتشكيل حكومة الأغلبية الوطنية، أم تكون الأخيرة هي العاصفة القوية لاقتلاع الجذور الفاسدة؟، ليبقى الجواب متروكاً للأيام المقبلة، فهي وحدها التي تستطيع الإجابة.