مرصد الجمهورية
لا يزال زعيم التيار الصدري مقتدى الصدر، صاحب الـ73 مقعداً في الانتخابات البرلمانية الأخيرة، مصراً على موقفه الذين أعلنه منذ تصديق المحكمة الاتحادية على نتائج الانتخابات، فلا خيار سوى الذهاب نحو "حكومة الأغلبية"، أساسها الكتلة الصدرية، وفروعها من يتحالف معه من المكون السني والكردي، وبقية النواب الذين ممن يجدون مشروع الصدر، بداية تأسيس لمرحلة سياسية جديدة.
على الطرف الآخر، تنهال البيانات والتصريحات الرافضة لتوجه الصدر الجديد، من مختلف القادة والزعامات السياسية، ونواب كُثر آخرين، يرون أن طموح زعيم الكتلة الصدرية، هو "تهديد لبنية الدولة".
يشدُ الصدر ونوابه حبل الأغلبية السياسية وإقصاء منافسيهم، فتنتشر عجلات عسكرية تابعة لسرايا السلام في شوارع بغداد قبل ليلة من جلسة مجلس النواب الأولى، حاملة صور زعيمهم وبهتافات ما يعرف بـ"الصلاة التعجليلة"، استمر الانتشار العسكري للسرايا حتى فجر الأحد، موعد الجلسة الأولى لبرلمان الدورة الخامسة.
والاحد الموافق (9- 1-2022)، دخل أعضاء الكتلة الصدرية قاعة مجلس النواب مرتدياً الأكفان وملابس قريبة جداً من الزي العسكري، وبالصلاة التعجيلية، ضجت قاعة البرلمان، بينما اصطف نواب الإطار التنسيقي الشيعي في جانب آخر، ليمثل الأمر منازلة سياسية، بين الجالس في منزله في الحنانة، وقيادات الشيعة داخل الإطار.
ولوحده، قرر الصدر، مواجهة غريمه الأزلي صاحب المقاعد الثلاثين وأكثر بقليل، زعيم ائتلاف دولة القانون نوري المالكي، فبعد صعود الخلاف بينهما إلى مستويات كبيرة، رغم كل محاولات الصلح الداخلية والخارجية، الا أن الخلاف تعاظم بينهما.
وبالعودة، إلى أصل الخلاف فإن صعود نجم رئيس الوزراء السابق نوري المالكي، كان على حساب الصدر، حيث أطلق المالكي حملة غير مسبوقة عرفت بـ"صولة الفرسان"، لملاحقة أنصار والمنضمين داخل "جيش المهدي" التشكيل العسكري الأول للصدر، بعد عام 2003، وبرضى أميركي- إيراني صدر المالكي نفسه على أنه الحامي الأول للأمن العراقي، كان ذلك عام 2008.
طلية فترة حكم المالكي في فترته الرئاسة الأولى، كانت الهمرات والعجلات المدرعة، وفرق الجيش والأجهزة الأمنية الاخرى، تحثت عن قيادات جيش المهدي في محافظات البصرة وبغداد والنجف، وتزجهم في السجن، كان الصدر وقتها متنقلاً بين إيران والحنانة، وكانت يد المالكي تتمكن من الدولة شيئاً فشيئاً.
في انتخابات 2010، فتحت التحالف الشيعي أمام الصدر باباً كبيراً للصلح مع رئيس الوزراء نوري المالكي بعد حصول القائمة العراقية على نحو 90 مقعداً في البرلمان الأمر الذي ادخل القوى الشيعية في حالة انذار غير مسبوقة، خوفاً من اندثارهم مجدداً، مع صعود قوى مدنية يقودها إياد علاوي -الشيعي العلماني-.
وبصفقة شيعية برعاية إيرانية، فتحت المناصب الوزارات أمام كتلة الأحرار، تربع المالكي من جديد على رئاسة الوزراء، بعد "لعبة سياسية" ساندتها المحكمة الاتحادية آنذاك.
وفي مجمل لقاءاته وتصريحاته لوسائل الإعلام، يؤكد زعيم التيار الصدري مقتدى الصدر، انه "كان صاحب الكملة الفصل في منح الولاية الثانية للمالكي ومنعه من الولاية الثالثة".
وبعد انهيار الأمن، في العام 2014 حيث وصلت خلايا تنظيم داعش الإرهابي على تخوم بغداد، بعد مجزرة سبايكر، تحولت القطيعة بين الصدر والمالكي، من الخلاف إلى العداء، حيث كان يصفه باستمرار بأنه "سبايكر مان".
تجذر الخلاف بعد تظاهرات العام 2016، وصل أقصاه في انتخابات عام 2018، لكن "خلطة العطار"، مكنت التيار الصدري من مفاصل عديدة في الدولة، حيث أعادت للمالكي مكانته، ومنحت رئاسة الوزراء لشخصية توافقية، اوصلت البلاد إلى تظاهرات العام 2019 والتي اوقعت الآلاف من القتلى والجرحى، في تظاهرات تشرين، ليهاجم الصدر القوى الشيعية القابضة على الحكم، فتعود الفجوة، التي استمرت منذ استقالة رئيس الوزراء السابق عادل عبد المهدي، وصولاً إلى انتخابات تشرين المبكرة، ونتائجها، وصولاً إلى جلسة البرلمان الأولى.
شق الصف الشيعي
في خضم الأوضاع السياسية المتأزمة، تنبري عدد من وسائل الإعلام "غير المباشرة" التي تتبع في توجهها مألات قوى الإطار التنسيقي لتوجيه اتهامات "التخوين والرضوخ للمؤامرة الإماراتية- الأميركية"، لزعيم التيار الصدري، وخصوصاً بعد توجيه الصدر شكره إلى ممثلة الأمين العام للأمم المتحدة في العراق جينين بلاسخارت، على دورها في المساهمة في انجاح الانتخابات، التي يراها الصدر "نزيهة وعادلة"، بينما يصر الإطار التنسيقي على أنها "مزورة" وطالب بإلغائها، الا أن القضاء صادق عليها.
التخوين المبطن للصدر، لا يصدر بشكل مباشر من قبل القنوات الفضائية، التابعة لمن يفرض مشروعه السياسي جهراً وعلانية، لكنه بات يوجه إلى القوى السنية والكردية, بانهم يتبنون مشروعاً لشق الصف الشيعي.
تخوين القوى السنية والكردية، تصاعد من قبل بعض الزعامات والقيادات السياسية في الإطار التنسيقي الشيعي، كونهم يخشون توجيه هذه التهم بشكل مباشر لزعيم التيار الصدري، الذي قال لهم بالحرف الواحد بأنه "لن يتأثر بكل تهديداتهم، وانه ماضٍ نحو حكومة أغلبية وطنية".
الصدر، رفض كل الوساطات للجلوس مع المالكي، وبلورة اتفاق سياسي جديد، واغلق الباب بوجه كل من يريد إعادته للبيت الشيعي، من أجل صياغة "توافقية جديدة" يصر الصدر على انها ستحول البلاد إلى مرحلة أسوأ من التي يعيشها الآن.
في الفضائيات، وعلى مختلف البرامج السياسي المسموعة والمرئية، يحمل نواب قوى الإطار، التحالفات السنية والكردية، مسؤولية شق الصف الشيعي، ويتهمونهم بأنهم نجحوا في ذلك، من خلال ما جرى في جلسة البرلمان الأولى، حين تم انتخاب رئيس تحالف تقدم محمد الحلبوسي رئيسا للبرلمان بدورته الخامسة.
يرد النواب السنة والكرد، على الاتهامات تلك بان قوى الاطار التنسيقي لم تنجح في التفاهم مع الصدر، ولم تتفق معه على موضوع إعلان الكتلة الأكبر، ومنذ تصديق القضاء على نتاج الانتخابات، مرت ثلاثة أشهر، وفي كل اجتماع بين الاطار والتيار تخرج جملة واحدة من الصدر #حكومة_اغلبية_وطنية.
الصدر يريد المالكي خارج اللعبة، لم يتفاوض معه على أي شيء منذ سنوات، ولا يريد ابرام أي اتفاق جديد معه، اغلق بابه لكل من حاول التوسط بينهما، وجاءت الانتخابات ليعلن الصدر أنه رافض "للتحاصص".
يطالب النواب الكرد والسنة، من القوى الشيعية، التفاهم بينها على مسألة الكتلة النيابية الأكبر، والتوصل إلى حل نهائي من أجل ايجاد صيغة معينة تمنع البلاد من الانزلاق للهاوية، يؤكدون دوماً "نحن مع التوافق الشيعي، مرشحونا جاهزون بانتظار توافق الصدر والإطار التنسيقي"، ليرد الطرف الخاسر بالانتخابات بأن "السنة يريدون الفتنة".
يحمل نواب الإطار التنسيقي، القوى السنية، مسؤولية فشلهم في التوصل إلى اتفاق مرضٍ مع الصدر، فيهددون بأنهم لن يسكتوا على هذه المؤامرة، يرد عليهم السنة، لم نكن طرفاً في مفاوضاتكم مع الصدر فلماذا تحلموننا المسؤولية، فيرد المحللون بأن "تهديد السنة والسلم الأهلي من قبل جهات رافضة لمشروع الصدر، هو تهديد غير مباشر للصدر وللقوى السياسية، لكن هناك خشية من أن يتم تهديد الصدر بشكل مباشر، فالأولى تهديد الضعيف، خشية أن يقول الصدر كلمته في الشارع، ويطلب منهم اثبات اتهامتهم له بالتخوين".
والمتتبع للأحداث السياسية، يرى أن ما يصرح به قيادات الاطار التنسيقي، له محاولة لتهديد السلم الأهلي، واثارة فتنة طائفية قد تجبر الصدر على النزول للشارع، بغية جره مرة أخرى للمنطقة المفضلة عندهم، "الحفاظ على المذهب الشيعي من المؤامرات الخارجية – الإماراتية- الإسرائيلي- الأمريكية".