الصفحة الرئيسية / كيف يوظف الطغاة خيالهم؟.. صدام حسين وروايته الأدبية بطموح شاعر مغمور

كيف يوظف الطغاة خيالهم؟.. صدام حسين وروايته الأدبية بطموح شاعر مغمور

عد تركه المدرسة الثانوية، توجّه أدولف هتلر، السفاح النازي الذي حكم لاحقا ألمانيا في فترة الحرب العالمية الثانية، إلى الرسم والموسيقى وزيارة المتاحف. أمضى سنوات بعد فشله الدراسي في رسم اللوحات ودراسة موسيقى ريتشارد فاغنر

كان يرسم لوحات موضوعاتها المناظر الطبيعية، يعبّر من خلالها عن إحساسه بالوحدة. في لوحة رسمها في فيينا، عام 1910، يظهر فيها شخص وحيد يجلس على حافة جسر حجري. يصعب أن يصدق من ينظر إليها أن من رسمها تحول لاحقاً إلى أحد أكثر سفّاحي التاريخ دموية وطغياناً.

الفاشي الإيطالي بينيتو موسوليني، حليف هتلر، أيضاً كتب الشعر ونشر القصائد وعمل صحافياً. وكحال هتلر وموسوليني، اهتم الطاغية الإسباني فرانسيسكو فرانكو بالرسم، ونشر حفيدُه كتاباً جمع فيه لوحاته بعد وفاته. يقول حفيده الذي يحمل اسمه: "كان رساماً عظيماً. لوحاته لم تكن تحفاً فنية، لكنها أظهرت جودة  وواقعية في الرسم تتعذر على معظم الهواة". 

جمع طغاة وديكتاتوريون وقادة عسكريون على مرّ التاريخ الفن والأدب إلى القسوة والعنف والإبادات الجماعية. ومن الديكتاتوريين العرب "الأدباء"، يبرز اسما معمّر القذافي صاحب "الكتاب الأخضر" وإصدارات أخرى بينها المجموعة القصصية "القرية القرية، الأرض الأرض وانتحار رائد الفضاء" التي صدرت عام 1995 عن أكثر من دار نشر عربية، وصدام حسين الذي كان يكتب روايات عاطفية ذات بعد سياسي، كما هي الحال مع رواية "زبيبة والملك"، التي صدرت من دون اسم عام 2000 وتأكد لاحقاً بعد سقوط نظامه أنه فعلاً صاحب هذه الروايات، وجرت ترجمتها باسمه إلى الإنجليزية.

وإذا كان غير مستغرب أن يلجأ سياسي في بلد ديمقراطي إلى الفن والأدب أو كتابة المذكرات بعد ترك السلطة، كحال وينستون تشرتشل مثلاً، الذي حاز جائزة نوبل للآداب عام 1953، أو بيل كلينتون الذي كان يعزف الساكسوفون، فإن اهتمام قادة مستبدين بالأدب والفن يجعل التعامل مع الأمر مربكاً لجهة تقييم هذه الأعمال الأدبية أو الفنية.

"الطاغية"، في هذا السياق، بحسب الباحثة والفيلسوفة الألمانية حنا ارندت "يوظف الخيال لخدمة نظامه القمعي الشمولي، ويصبح الخيال إحدى وسائله لإحكام السيطرة على السيناريوهات المحتملة أو البديلة التي تتصورها الشعوب، فيوظفه ليكون مدروساً ومتناغماً مع رغباته وأوهامه الطاغوتية".

في كتابها "طغاة مبدعون"، وحول سؤال ما إذا كان يمكن أن "تكون للقائد السايكوباتيكي علاقة بالإبداع"، تجيب الباحثة عبير عواد: "نعم! يمكن بالفعل أن تكون له علاقة بالإبداع، ليس بالضرورة أن يكون إبداعاً متميزاً ولكنه قادر على أن يقدم إنتاجاً أدبياً أو فنياً متوسط القيمة". وتضيف عواد: "هناك في ذهن الطاغية مساحة صغيرة للإبداع، لكنها مساحة غير قابلة للاتساع والتمدّد".

تستعرض عواد سير "طغاة مبدعين"، وتخصص لكل واحد منهم فصلاً تتحدث فيه عن سيرته الشخصية والسياسية وأعماله "الإبداعية".

في الفصل المخصص لصدام حسين، تقول الباحثة إنها علمت مصادفة من تقرير نشرته صحيفة الغارديان البريطانية أن دار نشر بريطانية ستقوم بترجمة رواية بعنوان "اخرج منها يا ملعون" كتبها صدام حسين. وحينما بحثت أكثر، عثرت على روايته الأشهر "زبيدة والملك"، التي كانت مثار بحث من قبل وكالة الاستخبارات المركزية الأميركية عما إذا كانت فعلاً من تأليفه أم لا.
في مقال نشرته صحيفة "نيويورك تايمز" في مايو 2001، تقول الكاتبة إيلين سيولينو، إن الاستخبارات الأميركية تعتقد أن صدام حسين ليس على الغالب كاتب الرواية، لكنه كان مشرفاً بشكل دقيق ومباشر على إنتاجها وملئها بكلماته الخاصة وأفكاره، وأن الوكالة تدرس الرواية عن كثب لمحاولة فهم كيف يفكر صدام ونظامه.

تذكر الرواية نفسها في مقدمتها أن صدّام طلب من عدد من الكتّاب العراقيين كتابة روايات تعكس الحياة في العراق، من الحياة العائلية المنزلية إلى "تجربة أولئك الذين يجلسون خلف بنادقهم الآلية المقاومة طائرات العدو". المؤلف، بحسب المقدمة، "لم يرغب في وضع اسمه عليها من منطلق التواضع مثل أبناء العراق الذين يضحون بأرواحهم ومقتنياتهم الثمينة ولا يتحدثون عن أعمالهم العظيمة".

عوّاد تذكر في كتابها أن "صدام حسين هو أغزر الطغاة انتاجاً أدبياً" (نسبت له 4 روايات منشورة)، وأنه "يستخدم الرمزية الأخلاقية في رواياته دائماً". تقول إنها قرأت الرواية و"لا أستطيع أن أعتبرها عملاً أدبياً مميزاً، ولا أستطيع أن أنفي عنها صفة الإبداع تماماً". 
لحظات رعب انتهت بـ50 دينار عراقي (ما يعادل 150 دولاراً في حينه)، وصدام حسين الذي يضحك ويبكي ويحاول إثبات ألا شبيه له، وصدام "الأفضل في عائلة التكريتي"، وحساء اللصوص أو "شوربة الحرامية" التكريتية، وقصة سميرة التي تركت زوجها لأجل صدام، والرجل الذي ظل واقفاً حين هرب الجميع، وغير ذلك.
في "زبيبة والملك"، تفرّ البطلة من زوجها "الخسيس والمعتدي"، وتقع في حب "ملك حازم قاس ولكنه عطوف"، بحسب وصف عوّاد. وهذه العناصر في الرواية، ليست، بحسب عوّاد، سوى العراق والولايات المتحدة وصدام حسين نفسه، في إسقاط على حرب الخليج الأولى.

وتتعرض زبيبة للاغتصاب على يد مجهول (يتبين لاحقاً أنه زوجها المنفصل عنها)، وتقول بطلة الرواية حينما يتم اغتصابها: "الاغتصاب هو أخطر الجرائم سواء أكان رجلاً يغتصب امرأة، أو جيوشاً غازية تغتصب وطناً أو اغتصاب حقوق". ويتعهد الملك (صدّام) الغاضب بالانتقام بفتح حرب لن تنتهي حتى النصر أو الموت.

في مقال "نيويورك تايمز"، تذكر الكاتبة أن تحليلات مسؤولين أميركيين وجدت بصمات صدام حسين واضحة على الرواية: "أسلوبه، تركيب الجمل، وعباراته واضحة في النص"، وأن الحوار بين زبيدة والملك يعكس الكثير من طريقة تفكير صدام حسين: "الثقة فقط بالعائلة والمقربين،  ربط الشرف بالمرأة، والاغتصاب أخطر من القتل. وفي هذا السياق يصبح الواجب الأكبر للرجل هو الأخذ بالثأر".

وخلصت التحليلات أيضاً إلى أن صدام أراد من الرواية تعزيز صورته كملك: "وظيفته إعطاء الأوامر والحكم وقيادة الشعب، الذي عليه ان يطيع ويحقق أمنيات ملكه".
22-03-2023, 12:38
العودة للخلف